التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق

          ░2▒ (بَابُ إِذَا طُلِّقَتِ الْحَائِضُ هَل يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّلاَقِ؟)
          5252- 5253- (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ☻ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: لِيُرَاجِعْهَا، قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: فَمَهْ.
          وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ قَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟).
          (وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ).
          الشرح: حديثُ أنسِ بن سِيرينَ عن ابن عُمَر أخرجه مُسْلِمٌ أيضًا.
          قولُه: (وَعَنْ قَتَادَة) هو معطوفٌ على سندِ سُلَيمانَ بن حَرْبٍ، وبه صرَّح أصحابُ الأطراف حيث قالوا: أخرجَه عن سُليمانَ عن شُعْبَةَ عن قَتَادَة. وقد أخرجه مسلمٌ والأربعة.
          وقوله: (وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ...) إلى آخره، قال أبو نُعَيمٍ في «مستخرجه» بعد أن أسندَه: رواه البخاريُّ عن أبي مَعْمَرٍ يعني عبد الله بن عَمْرٍو المِنقَريَّ، عن عبد الوارثِ.
          وقوله: (فَمَهْ) هذه هاء السَّكت دخلت على (ما) الَّتي هي للاستفهام، كأنَّه قال: فما يكون إن لم تُحتسب بتلك التَّطليقة؟ والعربُ تُبدِل الهاءَ مِن الألف لقُرْب مخرجهما، كقولهم:
وَمَهْمَا يَكُنْ عِنْدَ امْرئٍ مِن خَلِيقَةٍ
          والأصلُ: وما يكون عندَ امرئٍ، فأُبْدِلت الهاء مِن الألف، وقد أُبدِلت الهاء مِن أخت الألف مِن قولهم: هذه، وإنَّما أرادوا هذا، كما أُبْدِلَت الياء مِن الهاء في قولهم: دَهْدَيْتُ الحَجَرَ، والأصل: دَهْدَهْتُ، وقالوا: / دَهْدُوهَةُ الجمل وَدَهْدَوَة، وإنَّما اجتمعت الياء والألف والواو والهاء في بدل بعضِها مِن بعضٍ لتشابُهِها، ولأجل تشابُهِها اجتمعنَ في أن يكنَّ ضَمَائرَ وفي أن يكنَّ وصلًا في القوافي، وقد أُبْدِلَت الهاءُ مِن الهمزة في قولهم: أَرَقتُ وَهَرَقْتُ، وإيَّاك وهيَّاك، وأرجت وهرجت.
          وقوله: (إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ) أي فهل يكون إلَّا ذلك؟ أي أرأيتَ إن عَجَز في المُرَاجعةِ الَّتي أُمِرَ بها عن إيقاع الطَّلاق؟ و(اسْتَحْمَقَ) أي فَقَدَ عقلَه فلم تكن منه الرَّجعةُ، أتَبْقَى مُعلَّقةً لا ذاتَ زوجٍ ولا مُطلَّقةٍ؟ وقد نهى الله تعالى عن ترك المرأة في هذه الحال، فلا بدَّ أن يُحتَسَبَ بتلك التَّطليقةِ الَّتي أوقَعَها على غيرِ وَجْهِهَا، كما أنَّه لو عَجَزَ عن فرضٍ آخَرَ لله تعالى فلم يُقِمْهُ، واستحمَقَ فلم يأتِ به، أكان يُعذَرُ بذلك ويسقُطُ عنه؟ وهذا إنكارٌ على مَن شكَّ أنَّه لم يعتدَّ بتلك التَّطليقةِ، وقد روى قَتَادَةُ، عن يُونُسَ بن جُبيرٍ قال: قلتُ لابن عُمَر ☻: أَجَعلَ ذلك طلاقًا؟ قال: إن كان ابنُ عُمَرَ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ فما يمنعُه أن يكون طَلاقًا؟
          فَصْلٌ: قد سلف في الباب قبله أنَّ الطلاقَ في الحيض مكروهٌ واقعٌ عند جماعة الفقهاء، ولا يُخَالفهم في ذلك إلَّا طائفةٌ مُبتدعةٌ لا يعتدُّ بخلافها، فقالوا: لا يقع فيه ولا في طُهْرٍ جَامَعَها فيه، وقد سلف عن أهل الظَّاهر وهو شذوذٌ لا يَقْدَح فيما عليه العلماء، وصاحب القِصَّة احتسبَ بها وأفتى به.
          وقد أسلفنا أيضًا أنَّ في أمرِه بالمراجعة دليلٌ على ذلك إذْ لا رجْعَةَ إلَّا بعد طلاقٍ، قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] يعني في العِدَّة، ولا يُقَال مِثْله في الزَّوجات غير المطلَّقات.