التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا طلاق قبل النكاح

          ░9▒ (بَاب لَا طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، لِقَوْلِ اللهِ تعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ...}) الآية [الأحزاب:49].
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻: جَعَلَ اللهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكاحِ، ويُروَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأِبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ، وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وعَطَاءٍ وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيدٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ومُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ والشَّعْبِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ).
          الشرح: هذه التَّعاليق أوردَها بصيغة التَّمريض، وليس كذلك في أكثرها كما ستعلمُه، أخرج أكثرَها ابنُ أبي شَيْبَة، وأمَّا أثرُ ابنِ عبَّاسٍ فأخرجَه عن عبد الله بن نُميرٍ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عَطَاءٍ عنه بلفظٍ: لا طلاق إلَّا بعد نكاحٍ، ولا عِتقَ إلَّا بعد مِلْكٍ. قال: وحدَّثنا وكيع، عن حسنِ بن صالحٍ، عن أبي إسحاقَ، عن عِكْرِمَة عنه بنحوه. وحدَّثنا قَبِيصَةُ، حدَّثنا يُونُسُ بن أبي إسحاقَ، عن آدمَ مولى خالدٍ، عن سعيد بن جُبيرٍ عنه.
          وأمَّا أثرُ عليٍّ ☺ فأخرجه أيضًا عن محمَّد بن فُضَيْلٍ، عن ليثٍ، عن عبد الملكِ بن مَيْسَرَةَ، عن النَّزَّالِ عنه. وعند ابنِ حزمٍ زيادةٌ: وإن سمَّاهَا فليسَ بطلاقٍ. وأخرجه أبو عُبيدٍ، عن هُشيمٍ، عن المُباركِ بن فَضَالةَ، عن الحسنِ عنه.
          وأثرُ سعيدٍ أخرجَه أيضًا عن عَبْدَةَ بن سُليمان، عن يحيى بن سعيدٍ عنه، وهذا إسنادٌ جيِّدٌ.
          وأثرُ عُروةَ أخرجه أيضًا عن الثَّقفيِّ، عن يحيى بن سعيدٍ قال: بلغني عن عُروةَ... فذكره.
          وأثرُ عليِّ بن حُسَينٍ أخرجه أيضًا عن وكيعٍ، عن مُعَرِّفِ بن وَاصِلٍ، عن حبيبِ بن أبي ثابتٍ عنه، وحدَّثنا غُنْدَرٌ، عن شُعْبَةَ، عن الحَكَمِ عنه.
          وأثرُ شُرَيحٍ أخرجَه أيضًا عن أبي أسامة ووكيعٍ، حدَّثنا شُعبَةُ، عن أبي بِشْرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عنه.
          وأثرُ سعيد بن جُبيرٍ رواه عن عبد الله بن نُمَيرٍ، عن عبد الملك بن أبي سُلَيْمَانَ عنه.
          وأثرُ القاسم أخرجَه أيضًا عن وكيعٍ، عن مُعَرِّفٍ، عن عَمْرٍو عنه.
          وأثرُ طاوسٍ أخرجَه أيضًا عن مُعْتَمِرٍ، عن ليثٍ، عن عَطَاءٍ وطَاوْسٍ به، وأخرج أيضًا عن وكيعٍ، عن سُفْيَانَ، عن محمَّد بن المُنْكَدِر، عمَّن سمع طاوسًا يقول: قال رسول الله صلعم: ((لَا طَلاقَ إلَّا بعدَ نكاحٍ، ولا عِتْقَ إلَّا بعد مِلْكٍ))، وذَكر أبو حاتِمٍ عن يحيى بن مَعِينٍ أنه قال: لا يصحُّ عن النَّبيِّ صلعم: ((لَا طلاقَ قبلَ نكاحٍ))، وأصحُّ شيءٍ فيه حديثُ الثَّوريِّ عن ابن المُنكَدِر، عمَّن سمع طَاوسًا، أنَّه ◙ قال: ((لَا طَلاقَ قبلَ نِكاحٍ)).
          وأثرُ الحسن أخرجه عن مُعتَمرِ بن سُليمانَ، عن يُونُسَ عنه.
          وأثرُ مُجَاهدٍ وعطاءٍ أخرجَه أيضًا وكيعٌ عن مُعَرِّفٍ، عن الحسَنِ الضَّبِّيِّ عنهما.
          وأثرُ محمَّدِ بن كعبٍ ونافعِ بن جُبيرٍ أخرجهما عن جَعْفَرٍ بن عونٍ، عن أُسَامةَ عنهما.
          وأثرُ عَمرو بن هَرِمٍ لم أره، وذكره البَيْهَقيُّ عن كتاب عَمْرو بن حزمٍ، في الكتاب الَّذي كَتَبهُ له رسول الله صلعم.
          قال ابنُ حزمٍ: وصحَّ عن طَاوُسٍ وسعيد بن المسيِّب وعطاءٍ ومُجَاهدٍ وابن جبيرٍ وقَتَادَة والحسنِ ووَهْبِ بن منبِّهٍ وعليِّ بن الحسينِ والقاسمِ بن عبد الرَّحمن وشُريحٍ.
          وإنَّما اقتصر البخاريُّ على هذه الآثار ولم يذكر فيه حديثًا لأنَّها متكلَّمٌ فيها، نعم في السُّنن الأربعة عن عَمْرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صلعم: ((لَا طَلَاقَ إلَّا فيما يَملِكُ))، وأخرجه الحاكم في «مستدركه» وقال: صحيح الإسناد، وأخرجه ابن الجَارُود في «منتقاه»، وقال التِّرمذيُّ: هو حسنٌ صحيحٌ، وهو أحسنُ شيءٍ رُوي في الباب. وقال أيضًا: سألتُ محمَّدَ بنَ إسماعيلَ _يعني البخاريَّ_ فقلت: أيُّ شيءٍ أصحُّ في الطَّلاق قبل النِّكاح؟ فقال: حديثُ عَمْرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه عن جدِّه.
          قلتُ: فهذا أحسنُ شيءٍ في الباب وأصحُّه، وقال البيهقيُّ: رواه حبيبٌ المُعَلِّمُ وغيره، عن عَمرٍو عن أبيه، عن عبد الله بن عَمْرٍو، وقال مُهَنَّا وحربٌ عن أحمدَ، وسُئِل: أتعرفه من وجهٍ صحيحٍ؟ قال: حديثُ عَمْرو بن شُعَيبٍ، قال أحمد: وأخبرنا عبد الرَّزَّاق، أخبرنا ابنُ جُرَيجٍ، عن عَمْرِو بن شُعَيبٍ به، ثمَّ قال: أخشى أن يكون ابنُ جُرَيجٍ أخذه عن المثنَّى بن الصَّبَّاح، عن عَمْرٍو، ومثنَّى منكر الحديث.
          قلت: وفيه أحاديثٌ أخرُ، أحدُها: حديثُ جابِرٍ مرفوعًا: ((لَا طَلاقَ قبلَ نِكَاحٍ))، أخرجه قاسم بن أَصْبَغَ، عن ابن وضَّاحٍ، عن موسى بن مُعَاويةَ، عن وكيعٍ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن عَطَاءٍ وابنِ المُنْكَدِر عنه به، ورواه أبو قُرَّةَ في «مسنده» عن ابن جُرَيجٍ، عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ، عن جابرٍ.
          ثانيها: حديث مُعَاذٍ مرفوعًا به، أخرجه الدَّارقطنيُّ عن إسحاقَ بن محمَّد بن الفضل، حدَّثنا عليُّ بن شُعَيبٍ، حدَّثنا عبد المجيد، عن ابن جُرَيجٍ، عن عَمْرِو بن شُعَيبٍ، عن طاوسٍ عن مُعاذٍ به، قال أبو حاتِمٍ: ولم يَسمع منه، قلت: وعبد المجيد مِن رجال مُسْلمٍ والأربعة، ووثَّقه ابنُ مَعينٍ وغيرُه، وقال أبو داودَ: ثقةٌ داعيةٌ للإرجاء. وأمَّا ابنُ حبَّان فتركَه، وفي لفظٍ: ((وَإِنْ سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ بِعَيْنِهَا))، ولمَّا رواه أبو قُرَّة أخرجَ منه عبدَ المجيد، فقال: ذكرَ ابنُ جُرَيجٍ عن عَمْرِو بن شُعَيبٍ، عن طاوسٍ.
          ثالثُها: حديثُ أبي ثَعْلَبةَ، قال الدَّارقطنيُّ: وحدَّثنا جعفَرُ بن محمَّد بن نُصَيرٍ، حدَّثنا أحمد بن يحيى الحُلوانيُّ، حدَّثنا عليُّ بن قَرِينٍ، حدَّثنا بَقِيَّةُ، حدَّثنا ثورُ بن يزيدَ، عن خالد بن مَعْدَانَ، عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيِّ قال: قال لي عَمٌّ: أعمل لي عملًا حتَّى أُزوِّجك ابنتي، فقلت: إن تزوَّجتُها فهي طالقٌ ثلاثًا، ثمَّ بدا لي أن أتزوَّجها، فقال لي: تزوَّجْها، فإنَّه لا طلاقَ إلَّا بعد نكاحٍ.
          قلت: آفتُه عليُّ بن قَرِينٍ فإنَّه كذابٌ، وخالدٌ عن أبي ثعلبَةَ مرسلٌ، قاله ابنُ مَعِينٍ.
          رابعها: حديثُ عَائِشَة ♦، أخرجه أيضًا مِن حديثِ الوليد بن سَلَمَة _وهو كذَّابٌ كما قال دُحَيْمٌ_ حدَّثنا يُونُس، عن الزُّهريِّ، عن عُروَةَ، عن عَائِشَة ♦ قالت: بعَثَ رسولُ الله صلعم أبا سُفْيَانَ بنَ حرْبٍ على نَجْرَانَ باليمن، وكان فيما عَهِد إليه أن لا يطلِّق الرَّجلُ ما لم يتزوَّج. وأخرجه ابنُ أبي شَيْبَة عن حمَّاد بن خالدٍ، عن هِشَام بن سعدٍ، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ، عنها موقوفًا: لا طلاقَ إلَّا بعدَ نكاحٍ.
          وقال التِّرمذيُّ في «علله»: سألت محمَّدًا: أيُّ حديثٍ أصحُّ في الطَّلاق قبل النِّكاح؟ فقال: حديثُ عَمْرو بن شُعيبٍ، وحديثُ هِشَام بن سعدٍ، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ عن عَائِشَة ♦، فقلتُ: إنَّ بِشْرَ بنَ السَّرِيِّ وغيرَه قالوا: عن هِشَام بن سعدٍ، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ عنها، عن رسول الله صلعم _مسندًا_ فقال: إنَّ حمَّادَ بن خالدٍ روى عن هِشَامٍ، عن الزًّهريِّ، عن عُروة، عن عَائِشَة موقوفًا.
          خامسُها: حديثُ ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: ((لَا طَلاقَ فيما لا يَملِكُ)) أخرجه الدَّارقطنيُّ أيضًا مِن حديثِ عُمَرِ بنِ يُونُس، عن سُلميانَ بن أبي سُليمانَ الزُّهريِّ، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ يرفعُه، وسُلَيمانُ هذا ضَعَّفُوه.
          سادسُها: حديث ابن عُمَرَ ☻: سُئِلَ رسول الله صلعم عن رجلٍ قالَ: يومَ أتزوَّجُ فلانةَ فهي طالقٌ، قال: ((طلَّقَ ما لَا يَملِكُ))، أخرجه الدَّارقطنيُّ أيضًا مِن حديثِ خالدِ بنِ يزيدَ القَرْنِيُّ، حدَّثنا عبد الرَّحمن بن مُسْهِرٍ، حدَّثنا أبو خالدٍ الوَاسِطِيُّ، عن أبي هاشمٍ الرُّمَّانِّي، عن ابن جُبَيرٍ، عن ابن عُمَر به، وأخرجه أيضًا مِن حديثِ / عَمْرِو بن خالدٍ، عن زيد بن عليٍّ، عن آبائه بنحوه مرفوعًا. وأخرجه ابن ماجه مِن حديثِ عليِّ بن الحسين بن واقدٍ، عن هِشَام بن سعدٍ، عن الزُّهريِّ، عن عروةَ، عن الِمسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ، أنَّ النَّبَّي صلعم قال: ((لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ))، ومِن حديثِ ابن لَهِيعَةَ، عن موسى بن أيُّوبَ الغَافِقِيِّ، عن عِكْرِمةَ، عن ابن عبَّاسٍ يرفعُه: ((إنَّما الطَّلاقُ لمنْ أخذَ بالسَّاقِ))، ولفظُه عند الدَّارقطنيِّ: ((إنَّما يَملِكُ الطَّلاقَ مَنْ أخذَ بالسَّاقِ))، وذكره حربٌ عن أبي عبد الله، حدَّثنا ابن مَهْدِيٍّ، حدَّثنا هِشَامٌ، عن قَتَادَة، عن عِكْرمةَ، عن عبد الله موقوفًا: الطَّلاقُ بعدَ النِّكاحِ، وقال: إسنادٌ جَيِّدٌ.
          وقال أبو الحكم: خطبَ رجلٌ منَّا امرأةً فاجتمعا في الإملاك، فخالفَهم في شيءٍ، فقال: هي طالقٌ إن تزوَّجْتُها حتَّى آكل الغَضِيْضَ _يعني الطَّلع الذَّكر_ قال: فسألتُ ابنَ المسيِّب وعُروةَ وعُبَيْدَ الله بن عُتْبَةَ وأبا سَلَمَة وأبا بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هِشَامٍ، فقالوا كلُّهم: زوَّجوه، ليس به بأسٌ. وقال عُمَرُ بن عبد العزيز: ما أرى أن يتزوَّجها حتَّى يأكل الغَضِيْضَ، ووافقه القاسمُ وسالمٌ وابنُ شِهَابٍ وسُلَيْمانُ بن يَسَارٍ.
          وقال مُهنَّا: قلتُ لأحمدَ: حدَّثوني عن الوليد بن مُسْلمٍ قال: قال مالكٌ: عن عُمَرَ بن الخطَّاب وابن مسعودٍ، والقاسم وسُلَيمان بن يَسَارٍ وسالمٍ وابن شهابٍ، في الَّذي يقول: إن تزوَّجتَ فلانةً فهي طالقٌ، قال: إن تزوَّجها فهي طالقٌ، فقال لي أحمدُ: ليس فيهم عُمَرُ، هذا خطأٌ مِن قول مالكٍ، فقلت: لعلَّ هذا مِن قِبَل الوليد غلط على مالكٍ، قال: لا، هذا مِن قول مالكٍ، ذهب إلى حديثٍ عن سَعِيدِ بن عمرو بن سُلَيمٍ، عن القاسم بن محمَّدٍ، عن عُمَرَ. وسُئِلَ عن رجلٍ قال: إن تزوَّجْتُ فلانةً فهي عليَّ كَظَهْرِ أمِّي، فقال: إن تزوَّجها فلا يطأُها حتَّى يُكَفِّرَ. ذهب إلى هذا، ظنَّ أنَّه مثله.
          وقال سُفْيَانُ بن وكيعٍ: أحفظُ منذ أربعين سنةً أنَّه سُئِلَ عن الطَّلاق قبل النِّكاح، فقال: يُروى عن النَّبيِّ صلعم، وعن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ وعليِّ بن الحسين وسعيد بن المسيِّب ونيِّفٍ وعشرين مِن التَّابعين، أنَّهم لم يروا به بأسًا. قال عبد الله: فسألتُ أبي وأخبرتُه بقول سُفْيَانَ، فقال: صَدَقَ، أنا قلت ذلك.
          وقال ابنُ جُريجٍ فيما حكاه في «المُحلَّى»: بلغ ابنَ عبَّاسٍ أنَّ ابنَ مسعودٍ يقول: إن طلَّق الرَّجلُ ما لم ينكِح فهو جائزٌ، فقال ابنُ عبَّاسٍ: أخطأ في هذا، إنَّ الله تعالى يقول: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب:49]، ولم يقل: إذا طلَّقتُم المؤمناتِ ثمَّ نكحتُمُوهُنَّ. قال ابنُ حزمٍ: وهو قول ابنِ عُيَيْنَة وابنِ مَهْدِيٍّ والشَّافعيِّ وأحمدَ وأصحابِهما، وإسحاقَ وأبي سُليمانَ وأصحابِهما، وجمهورِ أصحاب الحديث، قال: وأمَّا مَن كَرِه ذلك ولم يَفسَخْهُ كما رُوِّينا مِن طريق حجَّاجِ بن مِنْهِالٍ، حدَّثنا جَريرُ بن حازمٍ، عن يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ، عن القاسم بن محمَّد بن أبي بكرٍ فيمَن قال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها فهي طالقٌ، فَكَرِهَه، وهو قول الأوزاعيِّ والثَّوريِّ، وقيل له: أحرامٌ هو؟ قال: ومَن يقول إنَّه حرامٌ؟ مَن رخَّص فيه أكثرُ ممَّن شدَّد، وبه يقول أبو عُبَيدٍ.
          ومِن طريق الحجَّاج بن مِنْهَالٍ: حدثنا أبو عَوَانَةَ، عن محمَّد بن قيسٍ المُرْهِبيِّ قال: سألت النَّخَعِيَّ عن رجلٍ قال في امرأةٍ: إن تزوَّجتُها فهي طالقٌ، فذكر إبراهيمَ، عن عَلْقَمَةَ أو الأسودِ: أنَّ ابنَ مسعودٍ قال: هي كما قال، ثمَّ سألتُ الشَّعبيَّ، وَذَكَر له قولَ إبراهيمَ، فقال: صَدَقَ.
          ومِن طريق أبي عُبيدٍ، عن هُشيمٍ، أخبرنا مُغِيرةُ، عن إبراهيم فيمَن قال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها فهي طالقٌ، قال: ليس بشيءٍ، هذا رجلٌ حرَّم المُحصَنَاتِ على نفسه فليتزوَّج، فإن سمَّاها أو نسبَها، أو سمَّى مِصْرًا، أو وقَّت وقتًا، فهي كما قال. ورُوِّينا مِن طريق مالكٍ، عن سعيدِ بنِ عَمْرِو بن سُليمٍ، عن القاسم بن محمَّدٍ: أنَّ رجلًا قال: إن تزوَّجْتُ فلانةً فهي عليَّ كظَهْرِ أُمِّي، فتزوَّجَها، فقال له عُمَرُ ☺: لا تَقْرَبْها حتَّى تُكَفِّرَ.
          قال ابنُ حَزْمٍ: ليس هذا موافقًا لهم لأنَّه قد رُويَ عن عُمَرَ أنَّه وإن عمَّ فهو لازمٌ، ومِن طريق وكيعٍ، عن إسماعيل بنِ أبي خالدٍ، عن الشَّعبيِّ قال: إن قال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها فهي طالقٌ فليس بشيءٍ، فإن وقَّت لزمَه. ومِن طريق أبي عُبيدٍ، حدَّثنا محمَّد بن كَثِيرٍ، عن حمَّاد بن سَلَمَة، عن قيسِ بنِ سعدٍ، عن عَطَاءٍ قال في رجلٍ قال: إن تزوَّجْتُ فلانةً فهي طالقٌ: هو كما قال. وهو قولُ الحكمِ بن عُتَيْبَةَ ورَبِيعَةَ والحسنِ بنِ حيٍّ واللَّيثِ بن سعدٍ ومالكٍ وأصحابِه، ومنهم مَن قال: يلزمُه وإن عمَّ. رُوِّينا مِن طريق عبد الرَّزَّاق، عن ياسين الزَّيَّات، عن أبي محمَّدٍ، عن عَطَاءٍ الخُراسَانيِّ، عن أبي سَلَمةَ بن عبد الرَّحمن، أنَّ رجلًا قال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها فهي طالقٌ، فقال له عُمَر بن الخَطَّابِ: هو كما قال. ومِن طريقه أيضًا عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهريِّ فيمَن قال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها فهي طالقٌ، وكلُّ امرأةٍ أشتريها فهي حُرَّةٌ، قال: هو كما قال.
          قال مَعْمَرٌ فيما حكاه ابنُ المُرَابِطِ: فقلت للزُّهْريِّ: أليس قد جاءَ: ((لَا طَلاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ))؟ قال: إنَّما ذلك أن يقولَ الرجلُ: امرأةُ فلانٍ طالِقٌ أو عبدُ فُلَانٍ حُرٌّ. قال ابنُ المرابِطِ: المعنى لا طلاق واقعٌ قبل نكاحٍ، ولم يُرِد بذلك: لا عَقْد طلاقٍ قبل نكاحٍ.
          ومِن طريق أبي عُبَيدٍ، حدَّثنا يحيى القطَّان ويزيدُ بن هَارُونَ، عن يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ قال: كان القاسم بن محمَّدٍ وسالمٌ وعمرُ بن عبد العزيز يرونَه جائزًا عليه. ومِن طريق أبي عُبَيدٍ، حدَّثنا مروان بن شُجاعٍ، عن خُصَيْفٍ: سألت مجاهدًا عن رجلٍ قال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجها فهي طالقٌ، قال: هو كما قال.
          وعند ابن أبي شَيْبَة، عن الشَّعبيِّ في رجلٍ قال لامرأته: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها عليكِ فهي طالقٌ، قال: كلُّ امرأةٍ يتزوَّجُها عليها فهي طالقٌ. وكذلك قاله عَطَاءٌ وحمَّادٌ وأبو بكرِ بن عبد الرَّحمن، وأبو بكرِ بن محمَّد بن عَمْرو بن حزمٍ، وشريحٌ، ولمَّا قيل للشَّعبيِّ: إنَّ عِكْرمةَ يزعُمُ أنَّ الطَّلاق بعد النِّكاح، قال: خبرٌ مِن مولى ابن عبَّاسٍ. وقال قُدَامَة: قلتُ لسالمٍ: رجلٌ قال: كلُّ امرأةٍ يتزوَّجُها فهي طالقٌ، وكلُّ جاريةٍ يشتريها فهي حرَّةٌ، قال: أمَّا أنا فلو كنتُ لم أنكِح ولم أشترِ. وعن مَكْحُولٍ: توجب عليه.
          قال ابن حزمٍ: نظرنا فيما احتجَّ به مَن أجازَه بكلِّ حالٍ _وهو أبو حنيفة وعُثْمانُ البَتِّيُّ_ فوجدناهم لا يخالفوننا فيمن قال لامرأته: أنت طالقٌ إذا بِنْت منِّي، ليس بشيءٍ، فصحَّ أنَّ الطَّلاق معلَّقٌ بالوقت الَّذي أُضِيفَ إليه، وهذا فاسدٌ لأنَّه لم يُخرِجْ الطَّلاق كما أمرَ، بل لم يُوقِعْه حيث يظنُّ به واقعةً حيث لا يقع فهو باطلٌ، فإن قالوا: قِسْنَاه على النَّذرِ قلنا: النَّذرُ جاء فيه نصٌّ، وتقديم الطَّلاق لم يأتِ فيه نصٌّ، والنَّذر قُربَة بخِلافِه، وهم لا يخالفوننا في أنَّ مَن قال: / عليَّ نذرٌ لله أن أطلِّق زوجتي، أنَّه لا يلزمه طلاقها، وهذا يُبْطِلُ ما ادَّعوه في قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]؛ لأنَّ الطَّلاقَ عَقْدٌ لا يلزمُ الوفاء به لمن عَقَده على نفسه بما عَقَد أن يُطلِّق، إلَّا أنَّه لم يُطلِّق، فليس الطلاق مِن العُقُود الَّتي أمر الله بها قبل أن تُوقَعَ.
          فإن قالوا: قِسناه على الوصيَّةِ، قلنا: هذا مِن أرذل القياسات؛ لأنَّ الوصيَّة نافذةٌ بعد الموت، ولو طلَّق الحيُّ بعد موتِه لم يَجُز، والوصيَّةُ قُربةٌ بل هي فرضٌ، والطَّلاقُ ليس فرضًا ولا قُربةً، ثمَّ إنَّا لم نجده صحيحًا عن أحدٍ مِن الصَّحابة لأنَّ الرِّاوية عن عُمَرَ موضوعةٌ، فيها ياسينُ وهو هالكٌ، وأبو محمَّدٍ وهو مجهولٌ، ثمَّ هو منقطعٌ بين أبي سَلَمَة وعُمَر، ثمَّ نظرنا في قول مَن ألزمَه إن خصَّ دون ما إذا عَمَّ، فلم نجد لهم حجَّةً أكثر مِن قولهم: إذا عمَّ فقد ضيَّق على نفسه، قلنا: ما ضيَّق بل له في الشِّراء فُسْحَةٌ، ثمَّ هَبْكَ أنه ضيَّقَ فأينَ وجدتم أنَّ الضِّيق في مثل هذا يُبيحُ الحرامَ؟ وأيضًا فقد يُخاف في امتناعه مِن نِكَاح التي خصَّ طلاقِها إن تزوَّجها أكثر ممَّا يُخاف لو عمَّ لكلفه بها، ووجدناه أيضًا لا يصحُّ عن أحدٍ مِن الصَّحابة لأنَّه إمَّا منقطعٌ، وإمَّا مِن طريق المَرْهِبِيِ وليس بالمشهور، ثمَّ رجعنا إلى قولنا فوجدنا الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]، فلم يجعل اللهُ الطَّلاقَ إلَّا بعد النِّكاح، والعجب مِن المخالِفِ القياس إذ لا خِلافَ عندهم فيمن قال لامرأتِه: إذا طلَّقتك فأنت مُرتَجَعَةٌ منِّي، فطلَّقَها أنَّها لا تكونُ مُرتَجَعَةً حتَّى يبتدئ النُّطقَ بارتجاعه لها، ووجدناهم لا يختلفون فيمن قال: إذا قَدِم أبي فزوِّجني مِن نفسك فقد قبلْتُ نكاحَك، قالت هي وهي مالكةٌ أمرَ نفسها، وأمَّا إذا جاء أبوك فقد تزوَّجتُك ورضيتُ بك زوجًا، فَقَدِم أبوه، فإنَّه ليس بينهما نكاحٌ أصلًا، ولا يختلفون فيمن قال: إذا كسبتُ مالًا فأنتَ وكيلي في الصَّدقة به، فكسب مالًا فإنَّه لا يكون الآخرُ وكيلًا في الصَّدقة حتَّى يبتدئ اللَّفظَ بتوكيله، فلا أدري مِن أين وقع لهم جوازُ تقديم الطَّلاق والظِّهار قبل النِّكاح.
          وكذلك لا يختلفون فيمن قال لآخر: زوَّجني ابنتَك إن ولدَتْها فلانةٌ، فولدت له فلانةٌ ابنةً، فإنَّها لا تكون بذلك زوجة، وقد جاء إنفاذُ هذا النِّكاح عن ابن مسعودٍ والحسنِ، ولا يُعرَفُ لعبد الله في ذلك مخالفٌ مِن الصَّحابة. قلتُ: والمخالِف يقول: هذا تعليقٌ ليس بطلاقٍ، والتَّعليق ليس طلاقًا في الحال، فلا يشترط لصحَّته قيامُ المُلك، لا سيَّما وقد قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة:75]، وهو دليلٌ على أنَّ النَّذر المُضَاف إلى المُلْكِ إيجابٌ في المُلْكِ وإن لم يكن موجودًا في الحال، وقد جعله اللهُ نذرًا في الملك وألزمَه الوفاءَ به، فكذا هذا إذ لا فَرق بينهما والخِلاف واحدٌ.
          قال ابنُ التِّين: واحتجاج البخاريِّ بالآية في ذلك لا دِلالة فيها على أنَّه لا يلزم إذا وقَعَ بالشَّرط قبل النِّكاح.
          والحاصل مِن الخلاف ثلاث مذاهبَ: اللُّزوم إذا عيَّن أو ضربَ أجلًا يسيرًا، وهو مذهب مالكٍ، وعدمُه مطلقًا وهو مذهب الشَّافعيُّ، واللُّزوم مُطلقًا وإن عمَّ، وهو مذهب أبي حنيفة.
          قال ابن المنذر: اختلف العلماء فيمن حلَفَ بطلاقِ مَن لم ينكِح على ثلاثة مذاهبَ: لا طلاق قبل نكاحٍ، وهو قولُ عَائِشَة وابن عبَّاسٍ، واحتجَّ ابنُ عبَّاسٍ في ذلك بالآية المذكورة، وقال: جعل اللهُ الطَّلاق بعد النِّكاح، وعليه جمهور التَّابعين المذكورين في هذا الباب، وهو مذهبُ الشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي ثورٍ، وروى العُتْبِيُّ عن عليِّ بن مَعْبدٍ، عن ابن وَهْب، عن مالكٍ: أنَّه أفتى رجلًا حلف: إن تزوَّجت فلانةً فهي طالقٌ فتزوَّجها، أنَّه لا شيء عليه، وقاله ابنُ وَهْبٍ، ونزلَت بالمَخزوميِّ فأفتاه مالكٌ بذلك. وروى أبو زيدٍ عن ابن القاسم مثلَه، وقال محمَّد بن الحكم: ما أراه حانثًا، وقد قال ابن القاسم: أمرَ السُّلطان ألَّا يحكم في ذلك بشيءٍ، وتوقَّف في الفُتيا به آخرَ أيَّامهِ. قال محمَّدٌ: وكان عامَّة مشايخ المدينة لا يرون به بأسًا، وهو قول ابن أبي ذِئبٍ، وأمَّا جمهورُ أصحاب مالكٍ فلا يرون ذلك.
          وفيها قولٌ ثانٍ: وهو إيجابُ الطَّلاق قبل النِّكاح، رُوي ذلك عن ابن مسعودٍ والقاسم وسالمٍ والزُّهريِّ وأبي حنيفة وأصحابه.
          والثَّالث: إذا لم يسمِّ الحالفُ بالطَّلاق امرأةً بعينِها أو قبيلةً أو أرضًا، وعمَّ في يمينِه تحريمَ ما أحلَّ الله له، فلا يلزمه ذلك وليتزوَّج ما شاء، فإن سمَّى امرأةً أو أرضًا أو قبيلةً، أو ضرب أجلًا يبلغ عُمُره أكثر منه، لزمَه الطَّلاق، وكذلك لو قال: كلُّ عبدٍ أملكهُ حرٌّ، فلا شيء عليه لأنَّه عمَّ، ولو خصَّ جنسًا أو بلدًا أو ضرب أجلًا يبلغ مثله لَزِمه، هذا قول النَّخَعيِّ وربيعةَ ومالكٍ وابن أبي ليلى واللَّيث والأوزاعيِّ، وذكر مالكٌ في «الموطَّأ» أنَّه بلغَهُ عن ابن مسعودٍ.
          وحجَّةُ أهلِ المقالة الأولى الأحاديث السَّالفة، وحجَّةٌ أخرى وهو أنَّه لمَّا أجمعوا أنَّ مَن باع سلعةً لا يملِكُها ثمَّ ملكَها أنَّ البيع غيرُ لازمٍ، فكذلك إذا طلَّق امرأته ثمَّ تزوَّجها أنَّ الطَّلاقَ غيرُ لازمٍ له. واحتجَّ الكوفيُّون بما رواه مالكٌ في «الموطَّأ»: أن بلغَه أنَّ عُمَر وابنَه وابنَ مسعودٍ وسالم والقاسم وفقهاءَ المدينة أنَّهم كانوا يقولون: إذا حلف الرَّجلُ بطلاق المرأةِ قبلَ أن ينكِحَها ثمَّ أَتَمَّ، أنَّ ذلك لازمٌ له إذا نكحها. وتأوَّلوا قولَه: ((لَا طلاقَ قبلَ نكاحٍ)) أن يقولَ الرَّجلُ: امرأةُ فلانٍ طالقٌ أو عبدُ فلانٍ حرٌّ، وهذا ليس بشيءٍ، وأمَّا أن يقول: إن تزوَّجت فلانةً فهي طالقٌ، فإنَّما طلَّقها حين تزوَّجها، وكذلك في الحرِّيةِ، يريد: إذا اشتريتُكِ فأنتِ حرَّةٌ.
          قالوا: ومثلُه: ((لا نذرَ لابن آدمَ فيمَا لَا يَملِكُ)) لأنَّه يحتمل أن يلزمَه فيه النَّذر إذا ملكه، قالوا: وأيضًا جاء الحديث: ((لَا طَلاقَ إلَّا مِن بَعدِ نكاحٍ))، وليس فيه: لا عَقْد طلاقٍ، وهو الَّذي أجزناه وشبهه بعلَّة الاحتباس أنَّه يجوز فيها الصَّدقة مِن قبل أن تخلق في مِلْكه.
          واحتجَّ الأبْهَرِيُّ لقول مالكٍ فقال: إذا سمَّى امرأةً أو قبيلةً أو بلدةً فإنَّه يلزمه عَقْد الطَّلاق؛ لأنَّه ليس بعاصٍ في هذا / العَقْد، وكلُّ مَن عَقَدَ عَقْدًا ليس بعاصٍ فيه فالعَقْد له لازمٌ وعليه الوفاء به؛ لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] وقولِه: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7]، والنذرُ في لسان العرب: إيجابُ المرء على نفسه شيئًا وإن لم يكن في مِلْكه، يدلُّ على ذلك قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ...} الآية [التوبة:75] فثبت بهذا أنَّه يلزمه ما ألزم نفسه وإن لم يكن في مِلْكه؛ ولأنَّه أضاف الطَّلاقَ إلى حال ملكَ فيه ابتداءَ إيقاعِه فصحَّ ذلك اعتبارًا بأصله إذا أضافه حال الملك، مثل: إن دخلتِ الدَّار فأنت طالقٌ، والمخالِف يقول: إن أوجب على نفسه نذْرَ عتقٍ أو صدقةَ درهمٍ قبل ملكه أنَّ ذلك يلزمُه، فكذلك عَقْد الطَّلاق، فأمَّا إذا عمَّ النِّساء فإنَّ ذلك معصيةٌ؛ لأنَّه قصدَ منعَ نفسه النِّكاحَ الَّذي أباحَه الله له فلا يصحَّ عَقْدُه؛ لقوله ◙: ((مَن أحدثَ في أمرِنَا ما ليس منه فهُو رَدُّ)).