التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الشقاق

          ░13▒ (بَابُ الشِّقَاقِ، وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؟
          وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا...} الآية [النساء:25]).
          5278- ثمَّ ساق حديثَ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ ☻ قال: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: إِنَّ بَنِي المُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يَنْكِحَ عَلِيٌّ ابنتَهُمْ، فَلَا آذَنُ).
          هذا الحديثُ سلف، ولا تظهر دِلالته لِمَا ترجم له، وحاول البخاريُّ إدخالَه في الباب بأن يجعلَ قوله: (فَلَا آذَنُ) خُلْعًا كما ادَّعاه المهلَّب، ثمَّ قال: ولا يقوى هذا المعنى لأنَّه قال في الحديث: ((إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالبٍ أَنْ يُطلِّقَ ابْنَتِي))، فدلَّ على الطَّلاق، فإن أراد أن يستدلَّ مِن دليل الطَّلاق على الخُلْع فهو دليلٌ مِن دليلٍ وذلك ضعيفٌ، وإنَّما فيه الشِّقاق والإشارة بالطَّلاق مِن خوفه، وأقرَّه عليه ابن بطَّالٍ.
          وقال ابنُ المُنيِّر: قد يحتمل أن يستدلَّ بقوله: ((فلا آذنَ لَهُمْ))، وجه الدَّليل أنَّه أشار على عليٍّ بعدم نكاح ابنتهم، ومنعه مِن ذلك إذ علم مِن ذلك أنَّه موقوفٌ على إذنه، فلم يأذَن لضرورة صيانة فاطمَةَ عن التَّعريض لِمَا جُبلت عليه النُّفوس مِن الغَيرة، فإذا استقرَّ جوازُ الإشارة بعدم التزويج التحقَ به جوازُ الإشارة لقطع النِّكاح للمصلحة.
          فَصْلٌ:
          ذكر ابنُ أبي شَيْبَة عن عليٍّ ☺ قال: الحكمان بهما يجمعُ الله وبهما يفرِّق. وقال الشَّعبيُّ: ما قضى الحَكَمانِ جاز. وقال أبو سَلَمَة: الحكمان إن شاءا جَمَعَا وإن شاءا فرَّقَا، وقال مجاهدٌ نحوه، وعن الحسن: إذا اختلفا جُعِل غيرُهما، وإن اتَّفقا جاز حُكمُهما. وقال طَاوُسٌ: إذا حكما خُذْ بحكمِهما، ولا تتَّبع أثرَ غيرِهما، وإن كان قد حُكِمَ قبلُهما عليكَ. وسُئل عامِرٌ عن رجلٍ وامرأةٍ حكَّما رجلًا ثمَّ بدا لهما أن يرجعا، فقال: ذلك لهما ما لم يتكلَّما، فإن تكلَّما فليس لهما أن يرجعا.
          فَصْلٌ: وفيه الحُكم بقَطع الذَّرائع لأنَّه تعالى أمر ببعثة الحكَمَين عند خوف الشِّقاق قبل وقوعه.
          فَصْلٌ: قام الإجماعُ على أنَّ المخاطبَ بالآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ...} [النساء:35] الحُكَّام والأُمراء، وأنَّ قولَه تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا...} [النساء:35] يعني الحكمين، وأنَّ الحكَمَين يكونان مِن أهل الرَّجل والثَّاني مِن أهل المرأة إلَّا أن لا يُوجَدَ مِن أهلهما مَن يصلُحُ لذلك فيرسل مِن غيرهما، وأنَّ الحَكَمين إذا اختلفا لم ينفُذ قولُهما، وأنَّ قولَهما نافذٌ في الجمع بينهما بغير توكيلٍ من الزَّوجين.
          واختلفوا في الفُرقة بينهما هل تحتاج إلى توكيلٍ مِن الزَّوجين أم لا؟ فقال مالكٌ والأوزاعيُّ وإسحاق: يجوزُ قولُهما في الفُرقَة والاجتماع بغير توكيلٍ منهما ولا إذنٍ منهما في ذلك، ورُوي هذا عن عُثْمانَ وعليٍّ وابنِ عبَّاسٍ وعن الشَّعبيِّ والنَخَعيِّ، وقال الكوفيُّون والشَّافعيُّ: ليس لهما أن يُفرِّقا إلَّا أن يجعلَ الزَّوجُ إليهما التَّفريقَ، وهو قولُ عطاءٍ والحسن، وبه قال أبو ثورٍ وأحمدُ.
          واحتجَّ أبو حنيفةَ بقول عليٍّ للزَّوج: لا تبرَحُ حتَّى ترضى بما رَضِيت به، فدلَّ أن مذهبَه: لا يُفرِّقان إلَّا برضا الزَّوج، قالوا: والأصل المجتمع عليه أنَّ الطَّلاقَ بيد الزَّوج أو بيد مَن جُعل ذلك إليه، وجَعلَه مِن باب طلاق السُّلطان على المُولَى والعِنِّينِ. قال ابنُ المنذر: ولَمَّا كان المخاطَبون بقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا} [النساء:35] الحُكَّامَ وأنَّ ذلك إليهم، دلَّ على أنَّ التَّفريقَ إليهم، ولو لم يكن كذلك لَمَا كان للبعثة معنًى.
          وقال مالكٌ في الحَكَمين يطلِّقان ثلاثًا قال: تكون واحدةٌ، وليس لهما الفراقُ بأكثرَ / مِن واحدةٍ بائنةٍ. وقال ابنُ القاسم: تلزمُهُ الثَّلاث إن اجتمعا عليها على حديث زيدٍ. وقاله المغيرةُ وأشهبُ وابنُ الماجِشُون وأصبغُ، وقال ابنُ المَّواز: إن حكم أحدُهما بواحدةٍ والآخرُ بثلاثٍ فهي واحدةٌ. وحكى ابنُ حَبيبٍ عن أَصْبَغَ أنَّ ذلك ليس بشيءٍ.