التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا يكون بيع الأمة طلاقًا

          ░14▒ (بَابُ لَا يَكُونُ بَيْعُ الأَمَةِ طَلاَقًا).
          5279- ذكر فيه حديثَ عَائِشَةَ ♦ في قصة بَرِيرَة، وقد سلف [خ¦5097].
          ووجه مطابقة التَّبويب أنَّ عِصْمتَها لو زالت لَمَا خُيِّرت.
          وقد اختلف العلماءُ فيما عَقَد له، فرُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخطَّاب وعبدِ الرَّحمن بنِ عوفٍ وسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ ما ترجم له، وهو مذهب كافَّةِ الفقهاء، وخالفت فيه طائفةٌ، رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ وأُبيِّ بن كعبٍ، ومِن التَّابعين سعيدُ بن المسيِّب والحسن ومجاهدٌ، واحتجُّوا بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:4]، فحرَّم الله علينا المتزوِّجات مِن النِّساء، إلَّا إذا مَلَكَتْهُنَّ أيمانُنا فهنَّ حلالٌ لنا؛ لأنَّ البيعَ لها حُدُوث مِلكٍ فيها، فوجب أن يرتفع حكمُ النِّكاح ويبطُلَ، دليلُه الأَمَةُ المسبيَّة ذاتُ الزَّوج.
          وحجَّة الجماعةِ قصَّةُ بَرِيرةَ أنَّها أُعتقت فخُيِّرت في زوجها، فلو كان طلاقُها يقَعُ ببيعها لم يخيِّرها الشَّارعُ بعد ذلك عند العِتق، ويقول لها: إن شئتِ أقمتِ تحتَه، وأيضًا فإنَّه عقدٌ على منفعةٍ، فوجب أن لا يُبطِلَه بيعُ الرَّقبة، دليله المستأجَرة؛ لأنَّ النِّكاحَ عقْدٌ على منفعةٍ، والإجارةُ كذلك، ثمَّ إنَّ البيعَ لا يُبطِلُها فكذا النِّكاح، وأيضًا فإنَّه انتقالُ مِلْكِ رَقَبةِ أحدِ الزَّوجين مِن مالكٍ إلى مالكٍ، فوجب ألَّا يبطل النكاح، دليلُه: إذا بيع الزَّوج، ولمَّا لم يمنع مِلْك البائع صِحَّة النِّكاح كان مُلك المبتاع مثله، لأنَّه يقوم مقامه وهو فرعٌ منه.
          فإن قالوا: إنَّ الأَمَةَ الحربيَّةَ إذا كانت مُزَوَّجة فإنها إذا استُرِقَّت تنتقل مِن مِلكٍ إلى مِلكٍ، ومع هذا ينفسخ النِّكاح عندكم؟ قلنا: إن قلنا لا يفسخ على إحدى الرِّوايتين كالحربيَّة إذا سُبيت، سقط سؤالهم، وإن قلنا: ينفسخُ على الأخرى، فالفرقُ أنَّ الحربيَّ لا يملِكُ ولا له شُبهة ملكٍ، فإذا سُبيت ومَلَكَها المسلمُ مُلكًا صحيحًا، فليس تنتقلُ مِن مُلكٍ صحيحٍ، وليس كذلك مسألتُنا، ولا حجَّةَ لهم في الآية لأنَّها نزلت في سبي أوطاسٍ خاصَّةً، فتحرَّج بعضُ أصحاب رسول الله صلعم خوفًا أن يكون لهنَّ أزواج، فسألوا رسولَ الله صلعم عن ذلك فأنزل الله الآية.
          فالمراد بها المَسْبِيَّات إذا حِضْنَ قبل أن يحضرَ أزواجُهنَّ أو أسلمنَ معًا فإنَّه يحِلُّ وَطْؤُهنَّ وإن كان لهنَّ أزواجٌ مشركون، فأمَّا إن أسلمنَ وأسلمَ أزواجهنَّ معًا فهم على نكاحهم كما ستعلمه في موضعه.
          فَصْلٌ: وفيه أنَّ النَّاسَ على عَهْد رسول الله صلعم لم يكونوا يستنكرون هديَّةَ بعضِهم لبعضٍ الطَّعامَ والشَّيءَ الَّذي يُؤكل وما لا يعظُمُ خطرُه، دليلُه قولُه ◙: ((لو أُهديَ إليَّ ذِرَاعٌ لقبلتُ))؛ لأنَّه ◙ لم يُنكره مِن بَرِيرة أَنْ أَهْدَتْ اللَّحمَ، ولا أنكرَ قبولَ عَائِشَة ♦ له.
          وفيه: أنَّ مَن أُهديت إليه هديَّةٌ قَلَّت أو كَثُرت ألَّا يردُّها، فإن أطاق المكافأة عليها فعَلَ، وإلَّا أثنى عليه بها وشكرَها بقولِه لِمَا رُوي عن رسول الله صلعم في ذلك.