مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث

          ░56▒ باب شرب السم، والدواء به
          فيه حديث شعبة عن أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((من تردى من جبل)) الحديث وأخرجه (م) (د) (ن) (ت)، وقال: صحيح ثم قال: ثنا محمد إلى آخره وسلف قريباً ومحمد هو ابن سلام، وأحمد بن بشير بفتح الباء مولى امرأة عمرو بن حريث الشيبانية انفرد به (خ) مات بعد وكيع بخمسة أيام، ومات وكيع سنة تسع وتسعين ومائة.
          وروى ابن عجلان عن المقبري، عن أبي هريرة، بدون: ((خالدا..)) إلى آخره، وكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله، وهذا أصح؛ لأن الروايات إنما تجيء بأن أهل التوحيد يعذبون في النار ثم يخرجون منها، ولا يذكر أنهم يخلدون فيها.
          وهذا الحديث يشهد لصحة نهي الله تعالى المؤمن عن قتل نفسه حيث قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء:29].
          فأما من شرب سمًّا للتداوي به وشرب منه مقداراً لا يقتل مثله أو خلطه بغيره مما يكسر ضره فليس بداخل في الوعيد، لأنه لم يقتل نفسه غير أنه يكره ذلك؛ لما روى (ت) عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله عن الدواء الخبيث. قال أبو عيسى: يعني: السم.
          وقد تعلق بقوله: ((خالداً)) من أنفذ الوعيد على القاتل، وهو قول روي عن قوم من الصحابة يأتي في الديات وجمهور التابعين والفقهاء على خلافه.
          فإن قلت: ظاهر حديث يدل على أنه مخلد في النار؟ قلت: هذا قول تقلده الخوارج وهو مرغوب عنه، ومن حجة الجماعة أن لفظ التأبيد في كلام العرب لا يدل على ما توهموه، وقد يقع الأبد على المدة من الزمان الذي قضى الله ╡ فيها بتخليد القاتل إن أنفذ عليه الوعيد، ومنه: خلد الله ملك كذا.
          وذلك أن العرب تجمع الأبد على آباد، كما تجمع الدهر على دهور، فإن كان الأبد عندها واحد الآباد لا يدل الأبد على ما قالوه، ويدل على صحة هذا إجماع المؤمنين كلهم غير الخوارج على أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وأنه لا يخلد في النار بالتوحيد مع الكفار، فسقط قولهم(1).
          ومنهم من حمل الحديث على من فعله مستحلاً مع علمه بالتحريم فإنه كافر. وقيل: إنه ◙ قاله في رجل بعينه كافر، فحمله الناقل على ظاهره، وحديث: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)).
          وحديث: ((من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة)) يرد ظاهره.
          وقيل: هذا جزاؤه، ولكن الرب تكرم عليه أن يخلده لكونه مسلماً، وهو بمعنى ما سلف.
          وترجم (خ) بها وإيراده فيها الحديث فيمن شربه ليقتل نفسه، وقد يتداوى بيسير السم إذا جعل مع غيره.
          قوله: (يجأ بها في بطنه) أي: يضرب بها فيه وهو بالهمزة والتسهيل، يقال: وجأه يجؤه، قال صاحب ((الأفعال)): وجأت البعير: طعنت منحره ووجأه وجأً طعنه مثل وجأه، والأصل فيها المستقبل يوجأ، وإنما وجب حذف الواو؛ لأن فتحة الجيم نائبة مناب كسره وأصله مكسور؛ / لأن ماضيه: وجأ بالفتح فيكون مستقبله (يوجئ) بكسر الجيم، فحذفت الواو؛ لوقوعها بين ياء وكسرة، وفتحت الجيم لأجل الهمزة، وكذلك تعليل يهب ويدع.
          قال ابن التين: وفي رواية الشيخ أبي الحسن: يجأ بضم الياء ولا وجه له عندي؛ لأنه لو أراد أن يبنيه لما لم يسم فاعله قال: يوجأ على وزن يفعل، مثل يوجد.
          قوله: (ومن تحسى) فهو من ذوات الياء ليس بمهموز.
          قال عياض: فيه دليل على أن القصاص من القاتل يكون بما قتل به محدداً كان أو غيره اقتداءً بعقاب الله تعالى، لقاتل نفسه وهو استدلال ضعيف، كما نبه عليه النووي.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وأيضاً لا يبقى على قولهم فرق بين الكافر الجريء الذي لم يؤمن بالله طرفة، مع المؤمن الطائع القائم بواجبات الشريعة مائة سنة مع تسبب معصية واحدة.
فإن قلت: الكفر أيضاً معصية فمن كفر بالله بعد عبادة وإيمان مائة سنة يخلد في النار؟ قلت: كما أن الإيمان يجب ما قبله من الكفر كذا الكفر يجب ما قبله من الإيمان، بخلاف العاصي القاتل نفسه أو غيره، فإن إيمانه حاصل وهو مقيم على عبادته)).