مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء

          ░1▒ باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.
          فيه حديث أبي هريرة، عن رسول الله صلعم: ((ما أنزل الله داء)) الحديث.
          هو من أفراده، وقال الحاكم: إنه صحيح على شرط (م) أيضاً.
          والطب مثلث الطاء اسم الفعل كما ذكره ابن السيد في ((مثلثه)).
          وأما الطب بالفتح فالرجل العالم بالأمور، وكذلك الطبيب.
          وامرأة طبة، والطب: السحر، والطب: الداء، من الأضداد، والطب: الشهوة. هذه كلها مكسورة.
          وفي ((المنتهى)) لأبي المعالي: الطب: الحذق بالشيء والرفق، وكل حاذق عند العرب طبيب، وإنما خصوا به المعالج دون غيره من العلماء تخصيصاً وتشريفاً.
          وجمع القلة: أطبة، والكثرة: أطباء. والطب طرائق ترى في شعاع الشمس إذا طلعت، وحده كما قال ابن سينا في ((أرجوزته)):
الطب حفظ صحة برء مرض                     من سيب في بدن فيه عرض
          وهو ينقسم إلى علمي وعملي، والعلمي طبيعي وخارجي عنها، والمرض خروج الجسم عن المجرى الطبيعي، والمداواة إليه وحفظ الصحة بقاؤه عليه، والشيء يداوى بضده، ولكن قد يدق وتغمض حقيقة المرض وحقيقته طبع الداء فتقل الثقة بالمضادة.
          ومن هنا يقع الخطأ في الطب، وطب سيدنا رسول الله حاصل بالوحي وبعادة العرب، والتبرك بالاستشفاء بالقرآن، وحقيقة الطبيب: العالم بالطب، وهو العلم بالشيء الخفي الذي لا يبدو إلا بعد معاناة بفكر صاف ونظر راقٍ.
          وفي سند حديث الباب أبو أحمد الزبيري، واسمه: محمد بن عبد الله بن الزبير.
          وفيه: إباحة التداوي وجواز الطب، وهو رد على الصوفية أن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء ولا يجوز له مداواته.
          وقد أباح الشارع التداوي وقال للرجلين: ((أيكما أطب؟)) فقالا: أوفي الطب خير يا رسول الله؟ فقال: ((أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء)) أخرجه مالك في ((الموطأ)) عن زيد بن أسلم فلا معنى لقول من أنكر ذلك، وفيه الإعلام أن تلك الأدوية تشفي بعلم الله.
          و(الشفاء) ممدود، وقد سلف استثناء الهرم والموت، فالحديث ليس على عمومه، والداء ممدود مفتوح الدال لا غير، والدواء فتح داله أفصح من كسرها قاله القرطبي.
          وقد تلافى الشارع بآخر كلامه ما قد يعارض به أوله بأن يقال: إنك قلت ((لكل داء دواء))، ونحن نجد كثيراً من المرضى يداوون فلا يبرءون؛ فنبه على أن ذلك لفقد العلم بحقيقة المداواة لا لفقد الدواء، والناس يلحدون الطبيب وإنما غلط الطبيب إصابته المقدار، والرب تعالى لو شاء لم يخلق داء، وإذ خلقه فلو شاء لم يخلق له دواء ولا أذن في استعماله، وإذ أذن فيه فقد ندب إلى تركه.
          قال ◙: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً لا يسترقون)) الحديث وفي رواية ((سبعمائة ألف)).
          ولأبي عمر: ((دخلت أمة بقضها وقضيضها الجنة كانوا لا يسترقون ولا يكتوون)).
          وحديث ابن مسعود: ((فيأمر الله الملك فيكتب رزقه وأجله وأين يموت، وإنكم تعلقون التمائم على أبنائكم من العين)) ذكره القاضي إسماعيل / موقوفاً، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً.
          ثم هذا فيمن استوفى أو اكتوى قبل حصول مرض يوجبه فإذا وقع ندب إلى التداوي لقوله: ((تداووا)) وهذا أمر مع اعتقاد أن الفاعل الرب تعالى، فالدواء لم يحدث شفاء ولا ولده كما أن الداء لا يحدث شيئاً.
          فائدة: من الذي قيل له: ((سبقك بها عكاشة)) في حديث: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً))؟.
          قال ثعلب: كان منافقاً. وهو مردود بما ذكره الخطيب عن مجاهد أنه سعد بن عبادة وهو بعيد منه.
          ويجاب بأنه لم يبلغ منزلته لشهوده بدراً، وهو من معاريض الكلام والرفق بالجاهل في الخطاب، إذ أنه لم يهتم كما اهتم عكاشة بل سمع فطلب، ولحسم المادة.