مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب رقية العين

          ░35▒ باب رقية العين
          فيه حديث عائشة قالت: أمرني رسول الله صلعم، أو أمر أن يسترقى من العين.
          وحديث أم سلمة أنه ◙ رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة.. الحديث.
          شيخ (خ) في الأول محمد بن كبير، وهو بالموحدة بعد الكاف، وسفيان بعده هو الثوري. وأخرجه (م) (ن) (ق)، وروى الثاني عن محمد بن الوليد الزبيدي بسنده، عن أم سلمة به.
          وشيخ (خ) فيه محمد بن خالد، هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي، كما صرح به أبو مسعود والجياني، وقد / اجتمع في هذا الحديث لطيفة عزيزة وهي سبعة كل واحد منهم اسمه محمد الفربري عن (خ) عن شيخه، آخرهم الزهري وهو محمد بن شهاب. وعبد الله بن سالم هو أبو يوسف الأشعري، حمصي، مات سنة تسع وأربعين ومائة، انفرد به (خ).
          والسفعة بفتح السين وضمها: شحوب في سواد الوجه، وفي ((البارع)): هو سواد الخدين من المرأة الشاحبة. وقال الأصمعي: هي حمرة يعلوها سواد. وقيل: علامة من الشيطان. وقيل: ضربة واحدة منه، من قوله: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] سفعت بالناصية وسفعته: لطمته، وسفعته بالعصا: ضربته، وأصل السفع: الأخذ بالناصية، ثم تستعمل في غيرها. وقيل في قوله: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} لنأخذن بها. وقيل: لنسودن منه وجهه، ولنزرقن عينيه حتى يكون ذلك علامة له، فاكتفى بالناصية عن ذكر الوجه.
          وفي ((الصحاح)): السفعة في الوجه: سواد في خدي المرأة الساجية. وضبطه بضم السين.
          وقال الخطابي: أصل السفع: الأخذ بالناصية، يريد أن بها شيئاً من الجن وأخذاً منها بالناصية.
          وقال ابن الجوزي عن ابن ناصر عن الخطيب التبريـ[زي] قال: قال أبو العلاء المعري: هي بفتح السين أجود، وقد تضم سينها، من قولهم: رجل أسفع؛ أي: لونه أسود.
          وقال غيره: السفعة: الصفرة والتغير، وكل أصفر أسفع.
          قوله: (فإن بها النظرة) أي: أصابتها عين، يقال: رجل منظور: إذا أصابه العين.
          وقال صاحب ((المطالع)): بفتح النون وسكون الظاء: أي: عين من نظر الجن.
          قال الخطابي: وعيون الجن أنفذ من الأسنة، ولما مات سعد سمع قائل من الجن يقول:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده                     ورميناه بسهمين ولم نخط فؤاده(1)
          قال: فتأوله بعضهم؛ أي: أصبناه بعين.
          والرقية من العين والنظرة وغير ذلك باسم الله تعالى وكتابه مرجو بركتها؛ لأمر الشارع به.
          قوله: (استرقوا لها) هو أمر بالرقية، وهو ساكن الراء، أصله: استرقيوا، فاستثقلت ضمة الياء فحذفت، فاجتمع ساكنان الواو والياء، فحذفت الياء؛ لاجتماعهما، ثم ضمت القاف لتصح الواو.
          والرقى المكروهة أمور مشتبهة مركبة من حق وباطل من ذكر الشياطين، والاستعانة بهم، والتعوذ بمردتهم، وإلى هذا ينحو من يرقي بالحية ويستخرج السم من الملسوع، ويقال: إن الحية لما بينها وبين الإنسان من العداوة تؤالف الشياطين؛ إذ هي أعداء بني آدم، فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها، وكذلك اللديغ إذا رقي بتلك الأسماء سالت سمومها وجرت من مواضعها من بدن الإنسان. ولذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله واسطة وبكتابه الذي يعرف بيانه؛ ليكون بريئاً من شوب الشرك.
          والفرق بين هذه الرقية والمنهي عنها من رقية المعزمين الذين يدعون تسخير الجن أن الأولى هي الطب الريحاني، وعليه الصالحون، فلما عدموا فزع الناس إلى الطب الجسماني.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله فرميناه بسهمين البيت، ينافي أن يكون المراد به نظر العين)).