مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الرقى بفاتحة الكتاب

          ░33▒ باب الرقى بفاتحة الكتاب
          ويذكر عن ابن عباس إلى آخره ثم ساق حديث أبي سعيد السالف في الإجارة وفضائل القرآن.
          وأبو بشر اسمه جعفر، وأبو المتوكل الناجي علي بن داود، والناجي أيضاً أبو الصديق بكر بن عمرو، ويقال: ابن قيس، جميعاً يرويان عن أبي سعيد سعد بن مالك، متفق عليهما.
          وحديث ابن عباس كذا ذكره بلفظ يذكر وهي صيغة تمريض، وقد ساقه بعد في باب الشروط كما ستعلمه، وهو راد على من يقول إن مثل هذه صيغة تمريض، فهذا مما ذكره بصيغة التمريض، وهو عنده بسند صحيح، وقد سبق نظيره في الصلاة من حديث أبي موسى.
          وفيه: جواز الرقى بالفاتحة، ويرد به ما روى شعبة، عن الركي بسنده عن ابن مسعود أنه ◙ كان يكره الرقى إلا بالمعوذات. وهو حديث لا يجوز الاحتجاج بمثله، كما نبه عليه الطبري؛ إذ فيه من لا يعرف، ثم لو صح لكان إما غلطاً أو منسوخاً بقوله ◙ فيه: ((ما أدراك أنها رقية؟)) فأثبت أنها رقية بقوله هذا، وقال: ((اضربوا / لي معكم بسهم)). قيل: أراد التبرك به، وكذا في لحم العنبر، وإذا جازت الرقية بالمعوذتين وهما سورتان من القرآن كانت الرقية بسائر القرآن مثلهما في الجواز؛ إذ كله قرآن(1).
          وقال المهلب: في الحديث من معنى الرقى شبيه بمعنى ما في المعوذات منه، وهو قوله: {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] والاستعانة به تعالى في ذلك دعاء في كشف الضر وسؤال الفرج، وقد سلف هذا المعنى في الإجارة(2).
          قوله: (فلم يقروهم) هو ثلاثي، قريت الضيف: أكرمته، قرى مثل: قليته قلاً، وقريت أيضاً، وقرا أيضاً إذا كسرت قصرت، وإذا فتحت مددت.
          والقطيع: الطائفة من الغنم، قاله ابن فارس. وقال الجوهري: هي الطائفة من البقر والغنم، والجمع: أقاطيع، على غير قياس، كأنهم جمعوا قطيعاً، فقالوا: أقطاع، مثل: شريف وأشراف.
          قوله: (من الشاء) هو جمع كثرة للشاة، وأصله: شوهة؛ لأن جمعها: [شياه]، فتصغيرها: شويهة، وجمعها: شياه بالهاء في العدد، تقول: ثلاث شياه إلى العشر، فإذا جاوزت فبالتاء، فإذا كثرت قلت: هذه شاء كثيرة، (وجمع الشاء) وهو ممدود: شواء؛ لأن أصل جمع شاة شياه، فأبدلوا الهاء همزة كما أبدلوها في ماء، البصاق بالصاد والسين والزاي، كصراط وصقر.
          (ويتفل) بضم الفاء وكسرها، وهو شبيه بالبزاق، وهو أقل منه، أوله البصق، ثم التفل، ثم النفث، ثم النفخ؛ ذكره في ((الصحاح)).
          قوله: (لديغ أو سليم) من باب التقاول كقولهم للقفاز مفازة، وقيل: سليم لما به ذكره في الصحاح والخطابي.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا فيه نظر وذلك أنه خص بعض القرآن الشريف بأشياء لم يخص بها غيره منها قوله ◙ لأبي سعيد: ((وما أدراك أنها رقية))؛ يعني: الفاتحة، فهذا صريح بأنها رقية دون غيرها وإلا لقال له وما أدراك أن القرآن كله يرقى به، وقد ورد في آخر البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه وليس حكم غيرهما من آيات البقرة وغيرها كذلك.
وأيضاً حكى أبو هريرة عن إبليس اللعين أنه قال في آية الكرسي: ((فلم يزل عليك من الله حافظ)) وصدقه ◙ في ذلك وقال ((صدقك وهو كذوب)) ولم يقل ◙ كل أي القرآن كذلك.
وحدثنا عن ابن مسعود أنه قال: من قرأ القرآن في كل ليلة لم يفتقر أبداً، وخص الواقعة، ولم يقل من قرأ أي سورة من القرآن لم يفتقر)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا الذي قاله المهلب فيه إشكال، وذلك أنه قال: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيه استعانة به تعالى في كشف الضر فإنما معنى الآية الشريفة نستعين به تعالى في العبادة والقيام بأدائها لا في كشف الضر، فإنه ليس في الصورة ما يشعر به فتأمله)).