مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: هل يستخرج السحر؟

          ░49▒ باب هل يستخرج السحر؟
          وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: إلى آخره.
          ثم ساق حديث عائشة في سحره ◙ بطوله.
          ومعنى به (طب) أي: سحر، كنوا به عنه، و(يؤخذ عن امرأته) مشدد الخاء، أي: يحبس عنها حتى لا يصل إلى جماعها، والأخذة بضم الهمزة: رقية الساحر.
          قوله: (أو ينشر) هو بفتح الشين مشددة؛ أي: يرقى؛ من الرقى والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسًّا من الجن، وقال الحسن: النشرة من السحر، وقد نشرت عنه تنشيراً، وفي الحديث: هل لا تنشرت؟ ويأتي.
          و(راعوفة) البئر وأرعوفتها: حجر ناتئ على رأسها لا يستطاع فلعله يقوم عليه المستقي، ويقال هو في أسفلها. قاله ابن سيده، وقال أبو عبيد: هي صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت تكون باقية هناك، فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي فوقها. وهي حجر ناتئ في بعض البئر صلباً لا يمكنهم حفره فيترك على حاله(1).
          وقال الأزهري في ((تهذيبه)): عن شمر عن خالد: راعوفة البئر: النطافة، قال: وهي مثل عين على قدر جحر العقرب سبط في أعلى الركب، فيجاوزونها في البحر خمس قيم وأكثر، فربما وجدوا ماءً كثيراً تبجسه، قال شمر: من ذهب بالراعوفة إلى النطافة فكأنه أخذه من رعاف الأنف، وهو: سيلان دمه وقطرانه، ويقال ذلك سيلان الذنين، ومن ذهب بها إلى الحجر الذي يتقدم طي البئر على ما ذكر عن الأصمعي، فهو من رعف الرجل أو الفرس إذا تقدم وسبق، وكذلك استرعف.
          وادعى ابن التين أرعوفة، وقع في أكثر الروايات: رعوفة، وأن عند الأصيلي: راعوفة، وهو ما رأيناه في الأصول، قال: والذي ذكر أهل اللغة أن فيها لغتين: راعوفة وأرعوفة بالضم، ثم حكى الاختلاف فيها هل هي صخرة في أسفل البئر إذا احتفرت يجلس عليها المستقي، سميت بذلك لتقدمها وبروزها من قولهم: جاء فلان يرعف الخيل أي: يتقدمها، أو في حسه لا يقدر الحافر قلعها فيتركها؟.
          قال المهلب وقع هنا: فاستخرج السحر، ووقع في باب السحر: أفلا استخرجته، فأمر بها، قال: ((قد عافاني الله)) فأمر بها فدفنت، وهو اختلاف من الرواة، ومدار الحديث على هشام بن عروة، وأصحابه مختلفون في استخراجه، فأثبته سفيان في روايته من طريقين في هذا الباب، وأوقف سؤال رسول الله عن النشرة، ونفى الاستخراج عيسى بن يونس، وأوقف سؤالها رسول الله صلعم عن الاستخراج، ولم يذكر أنه جاوب عن الاستخراج بشيء، وحقق أبو أسامة جوابه ◙ إذ سألت عائشة عن استخراجه بلا. ولا ذكر النشرة، والزيادة من سفيان معقولة؛ لأنه أثبتهم.
          وقوي ثبوت الاستخراج في حديثه لتكرره فيه مرتين، فبعد من الوهم فيما حقق من الاستخراج، وفي ذكره للنشرة في جوابه مكان الاستخراج.
          وفيه وجه آخر يحتمل أن يحكم بالاستخراج لسفيان ويحكم لأبي أسامة بقوله: لا، على أنه استخرج الجف بالمشاقة(2)، ولم يستخرج صورة ما في الجف والمشط وما ربط به؛ لئلا يراه الناس فيتعلمون إن أرادوا استعمال السحر / فهو عندهم مستخرج من البئر وغير مستخرج من الجف.
          واختلف هل يسأل الساحر عن حل السحر عن المسحور، فأجازه سعيد بن المسيب على ما ذكره (خ)، وكرهه الحسن البصري وقال: لا يعلم ذلك إلا ساحر، ولا يجوز إتيان الساحر؛ لما روى سفيان عن أبي إسحاق عن هبيرة عن ابن مسعود قال: من مشى إلى كاهن أو ساحر فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.
          قال الطبري: وليس ذلك عندي سواء، وذلك أن مسألة الساحر عقد السحر مسألة منه أن يضر من لا يحل ضره، وذلك حرام، وحل السحر عن المسحور نفع له، وقد أذن الله لذوي العلل في العلاج من غير حصر معالجتهم منها على صفة دون صفة، فسواء كان المعالج مسلماً تقيًّا أو مشركاً ساحراً، بعد أن يكون الذي يتعالج به غير محرم، وقد أذن رسول الله في التعالج وأمر به أمته، فقال: ((إن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله)) فسواء كان علم ذلك وحله عند ساحر أو غير ساحر، وأما معنى نهيه ◙ عن إتيان السحرة، فإنما ذلك على التصديق لهم فيما يقولون على علم ممن أتاهم بأنهم سحرة أو كهان، فأما من أتاهم لغير ذلك وهو عالم به وبحاله فليس بمنهي عنه ولا عن إتيانه.
          واختلف في النشرة أيضاً، فذكر عبد الرزاق، عن عقيل عن همام بن منبه قال: سئل جابر بن عبد الله عن النشرة فقال: من عمل الشيطان.
          وقال عبد الرزاق: قال الشعبي: لا بأس بالنشرة العربية التي لا تضر إذا وطئت، وهي أن يخرج الأسنان في موضع عضاه فيأخذ عن يمينه وشماله من كل، ثم يدبغه ويقرأ فيه ثم يغتسل به، وفي كتب وهب بن منبه: أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به، فإنه يذهب عنه كل عاهة إن شاء الله تعالى، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله، قولها لرسول الله: ((أفلا)) أي: تنشرت دال على جوازها كما قال الشعبي، وأنها كانت معروفة عندهم لمداواة السحر وشبهه، ويدل قوله: ((أما الله فقد شفاني)) وتركه الإنكار على عائشة على جواز استعمالها لو لم يشفه، فلا معنى لقول من أنكرها.
          قال القزاز: النشرة: الرقية، وهي كالتعويذ وهو التنشير، وفي الحديث أنه قال: ((فلعل طبا أصابه))، يعني سحراً، ثم نشره بـ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] أي: رقاه. وقال الداودي: قولها (أفلا تنشرت)، تعني: يغتسل بماء أو يعوذ نفسه.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وهو الذي يجلس عليه المايح بالمثناة تحت، والماتح بالمثناة فوق يجلس فوق البئر ويستقي)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: وكان يمكن أن يستخرج من الخف والبئر ويخفى عن أعين الناس ويخرق ويحرق قلت: معناه أن آثر إن أفصح فاعله)).