مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب دواء المبطون

          ░24▒ باب دواء المبطون
          فيه حديث محمد بن جعفر بسنده، عن أبي سعيد قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: إن أخي الحديث سلف في باب الدواء بالعسل.
          وفيه أن / ما جعل الله فيه الشفاء من الأدوية وقد يتأخر تأثيره في العلة حتى يتم أمره وتنقضي مدته المكتوبة في أم الكتاب.
          قال والدي ⌂:
          (باب الكحل والإثمد) بكسر الهمزة والميم حجر يكتحل به و(أم عطية) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية وشدة التحتانية الأنصارية الصحابية.
          قوله: (حميد) مصغر الحمد (ابن نافع) المدني و(عينها) بالرفع والنصب و(أحلاس البيوت) ما يبسط تحت حر الثياب والحلس للبعير كساء يكون تحت البرذعة وكان في الجاهلية اعتداد المرأة هو بأن تمكث في بيتها في شر ثيابها سنة فإذا مر بعد ذلك كلب رمت ببعرة إليه يعني: أن مكثها هذه السنة أهون عندها من هذه البعرة ورميها.
          قوله: (فلا) أي: فلا تكتحل حتى تقضي أربعة أشهر، أو لا هي لنفي الجنس نحو لا غلام رجل والاستفهام الإنكاري مقدر مر الحديث في كتاب العدة في باب الكحل للحادة.
          قوله: (الجذام) هو علة يحمر بها اللحم ثم يتقطع ويتناثر، وقيل هو علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله بحيث يفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها.
          قوله: (عفان) بالمهملة وشدة الفاء وبالنون ابن مسلم الصفار البصري و(سليم) بفتح المهملة (ابن حيان) بإهمال الحاء وتشديد التحتانية وبالنون الهذلي و(سعيد بن ميناء) بكسر الميم وإسكان التحتانية وبالنون بالمد والقصر.
          قوله: (لا عدوى) أي: لا سراية للمرض عن صاحبه إلى غيره(1) و(الطيرة) بكسر الطاء وفتح الثانية من التطير وهو التشاؤم كانوا يتشاءمون بالسوانح والبوارح ونحوها؛ أي: لا شؤم فيها إذ الخير والشر وكذا إحداث المرض كله بقدرة الله تعالى و(الهامة) بتخفيف الميم طائر، وقيل: هي البومة قالوا إذا سقطت على دار أحدهم وقعت فيها مصيبة، وقيل: إنهم كانوا يعتقدون أن عظام الميت تنقلب هامة وتطير، وقيل: إنهم يزعمون أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتزقو وتقول: اسقوني اسقوني فإذا أدرك ثأره طار و(الصفر) هو تأخير المحرم إلى صفر وهو النسيء، وقيل: هو حية في البطن اعتقادهم فيها أنها أعدى من الجرب، وقيل: هو داء يأخذ البطن.
          قوله: (فر) أمر، قال ابن بطال: قيل هو مناقض لقوله: لا عدوى، قيل: إنه عام مخصوص أي: لا عدوى إلا من الجذام، وقال أيضاً: أن أمره به لم يكن للإلزام، بل للتأديب، وقد صح أنه صلعم أكل مع المجذوم، وقال بعضهم: معناه: لا عدوى بطبعه، ولكن قد يكون بقضاء الله وقدره وإجرائه العادة في التعدي من المجذوم بفعل الله وخلقه.
          الخطابي: المجذوم تشتد رائحته حتى يتضرر به من أطال مجالسته وربما نزع ولده إليه، ولذلك جعل للمرأة الخيار إذا وجد الزوج مجذوماً، قال وقيل: إنما أمر بالفرار؛ لأنه إذا رآه صحيح البدن سليماً من الآفة التي به عظمت حسرته واشتد أسفه على ما ابتلي به ونسي سائر ما أنعم الله عليه فيكون سبباً للزيادة في محنة أخيه وبلائه.
          قوله: (عبد الملك) بن عمر القبطي بالقاف والموحدة والمهملة و(عمرو بن حريث) مصغر الحرث بالمهملة والراء والمثلثة المخزومي و(سعيد) هو أحد العشرة المبشرة و(الكمأة) بسكون الميم وبالهمزة نبات مفردها كمء عكس / تمرة وتمر وهو من الغرائب، وقيل: إنها من المن المنزل على بني إسرائيل عملاً بظاهره(2)، وقيل: هو مشبه بذلك المن في أنها تحصل بلا علاج وكلفة، فإنها تنبت من غير استنبات كالمن الساقط عليهم بلا تكلف، وأما ماؤها فقيل معناه أن يخلط بالدواء ويعالج به وقيل: إن كان لبرودة ما في العين من حرارة فماؤها مجرداً شفاء وإلا فبالتركيب وقيل هو شفاء مطلقاً مر في أول كتاب التفسير.
          قوله: (الحكم) بفتحتين (ابن عتيبة) مصغر عتبة الباب و(الحسن بن عبد الله العرني) بضم المهملة وفتح الراء وبالنون الكوفي و(لم أنكره) أي: ما أنكرت على الحكم من جهة ما حدثني به عبد الملك، وذلك لأن الحكم روى معنعناً وعبد الملك بلفظ سمعت أو لأن الحكم مدلس فلما تقوى برواية عبد الملك لم يبق محل للإنكار، أو معناه لم يكن الحديث منكوراً؛ أي: مجهولاً من جهة أني كنت أحفظه من عبد الملك، فعلى الأول الضمير للحكم وهو من النكير ضد المعرفة، ويحتمل العكس بأن يراد لم أنكر شيئاً من حديث عبد الملك.
          قوله: (اللدود) بفتح اللام، وهو ما يسقى في أحد جانبي الفم و(موسى بن أبي عائشة) الكوفي و(لا تلدوني) بضم اللام وكسرها و(كراهية) بالنصب وبالرفع و(أنا أنظر) جملة حالية؛ أي: لا يبقى أحد في البيت إلا يلد في حضوري وحال نظري إليهم مكافأة لفعلهم، أو عقوبة لهم حيث خالفوا إشارته في اللد بنحو ما فعلوه به و(لم يشهدكم) أي: لم يحضركم حالة اللد، مر في آخر كتاب المغازي(3).
          قوله: (أعلقت) من الإعلاق بإهمال العين، وهو معالجة عذرة الصبي ورفعها بالأصبع و(العذرة) بضم المهملة وإسكان المعجمة وبالراء، وجع الحلق وذلك الموضع أيضاً يسمى عذرة يقال: أعلقت عنه أمه إذا فعلت ذلك به وغمزت ذلك المكان بأصبعها ودفعته، وقيل: كان عادتهن في معالجة العذرة أن تأخذ المرأة خرقة فتلفها وتفتلها فتلا شديداً وتطعن موضعها فينفجر منه الدم و(تدغرن) بفتح المعجمة من الدغر بالمهملة ثم المعجمة والراء، هو رفع لهاة المعذور وفي بعضها تدغرن من باب الافتعال و(العلاق) بفتح العين وكسرها، وفي بعضها الإعلاق مصدر ومعناه إزالة العلوق، وهي الداهية والآفة.
          و(العود الهندي) هو القسط، ومر ذكر منافعه.
          قوله: (منها ذات الجنب) أي: من الأشفية شفاء ذات الجنب و(بين) أي: رسول الله صلعم، وقال التيمي: قال ابن المديني قال سفيان: بين لنا الزهري ثنتين و(معمر) بفتح الميمين؛ يعني: هو أو نحن لفظ عليه بل محفوظنا من الزهري لفظ عنه.
          الخطابي: صوابه ما حفظه سفيان، وقد تجيء على بمعنى: عن، قال تعالى: {إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ} [المطففين:2] أي: عنهم، وقال على ما تدغرن؛ أي على ما تدفعن ذلك بأصابعكن فتؤلمنهم وتؤذينهم بذلك، وقال ابن بطال: الصحيح أعلقت عنه، وقال النووي: أعلقت عنه وعليه لغتان.
          قوله: (وصف) غرضه من هذا الكلام التنبيه على أن الإعلاق هو رفع الحنك لا تعليق شيء منه على ما هو المتبادر إلى الذهن منه ونعم التنبيه.
          قوله: (بشر) بإعجام الشين، وإنما لم يكن ترك تسمية عائشة لعلي ☻ معاداة له أو / إهانة عليه حاشا من ذلك، بل كان ذلك لأن عليا لم يكن ملازماً في تلك الحالة من أولها إلى آخرها، ففي بعضها قام أسامة أو الفضل بن عباس مقامه بخلاف الجانب الآخر فإن عباساً لم يفارقه.
          قوله: (هريقوا) في بعضها: أريقوا، وفي بعضها: أهريقوا؛ أي: صبوا و(الأوكية) جمع: الوكاء، وهو ما يشد به رأس القربة و(أعهد) أي: أوصي، وإنما طلب صلعم ذلك منهن؛ لأن المريض ربما إذا صب عليه الماء البارد ثابت إليه قوته. الخطابي: يشبه أن يكون ما اشترطه من أن لم تكن حلت أوكيتهن بطهارة الماء؛ لأن أول الماء أطهره وأصفاه؛ لأن الأيدي لم تخالطه والأولى والقرب إنما توكى وتحل على ذكر الله تعالى، فاشترط أن يكون صب الماء عليه من الأسقية التي لم تحلل ليكون قد جمع بركة الذكر في شدها وحلها معاً، ويحتمل أن يكون تخصيص العدد من ناحية التبرك؛ لأن لهذا العدد بركة وله شأن لوقوعها في كثير من أعداد الخليقة وأمور الشريعة(4).
          قوله: (مخضب) بكسر الميم وتسكين المعجمة الأولى وفتح الثانية، الإجانة التي تغسل فيها الثياب و(فعلتن) في بعضها: فعلتم، وكلاهما صحيح باعتبار الأنفس والأشخاص، أو باعتبار التغليب تقدم الحديث في الوضوء.
          قوله: (العذرة) بضم المهملة وسكون المعجمة وبالراء، وجع الحلق واللهاة وموضعه أيضاً و(أم قيس بنت محصن) بكسر الميم وإسكان المهملة الأولى وفتح الثانية وبالنون (الأسدية أسد خزيمة) مصغر: الخزمة بالمعجمتين، وإنما قال ذلك لئلا يتوهم أنه من أسد بن عبد العزى أو من أسد بن ربيعة أو من أسد بن شريك بضم الشين و(أعلقت) أي: عالجته برفع الحنك بأصبعها و(تدغرن) بالمهملة والمعجمة والراء؛ أي: ترفعن و(العلاق) بالحركات الثلاث؛ أي: الإعلاق مر آنفاً و(إسحاق بن راشد) ضد الضال الجزري بالجيم والزاي والراء، روي: علقت مكان أعلقت.
          قوله: (محمد بن بشار) بإعجام الشين و(قتادة) بفتح القاف وخفة الفوقانية، ابن دعامة الأكمه المفسر و(أبو المتوكل علي الناجي) بالنون وتخفيف الجيم وتشديد التحتانية، و(الاستطلاق مشي) والإسهال، وصدق الله حيث قال: (({فِيهِ})) والحكمة في زيادته أن المادة كانت واجبة الدفع والعسل أعانه عليه لأنه مسهل فلما اندفع سكن الإسهال وصح، وسبق الحديث آنفاً.
          و(النضر) بفتح النون وسكون المعجمة (ابن شميل) مصغر الشمل بالمعجمة.
          الزركشي:
          (فاشتكت عينها) بالرفع والنصب.
          (فلا أربعة أشهر وعشرا) ((لا)) نفي للكلام السابق، ويجب عليه الوقف؛ لأنه نهى عن الرخصة التي [سألت] ثم أكد ثانياً، فقال: ((أربعة أشهر وعشرا))، وهو منصوب بفعل مضمر؛ أي: لعلك أو لتقعد.
          (لا عدوى) قيل: هو نهي أن يقال ذلك أو يعتقد، وقيل: هو خبر؛ أي: لا تقع عدوى بطبعها.
          (ولا طيرة) يكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن: التشاؤم، وهو مصدر للتطير، تطير طيرة وتحير حيرة، ولم يجيء من المصادر على هذا غيرهما؛ أي: اعتقاد ما كانت تعتقد الجاهلية من التطير بالطير وغيره، وأصل اشتقاقها من الطير إذ كان تطيرهم وعملهم به.
          (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح، وحكى أبو زيد تشديدها، وكانوا في الجاهلية يقولون: إن عظام الموتى تصير هامة فتطير.
          (ولا صفر) بفتحتين، قيل: حية تكون في البطن تصيب / الماشية والناس، وقيل: تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر، فأبطل الإسلام ذلك كله.
          (الكمأة) قال الخطابي: هو مهموز، والعامة لا تهمزه، وقال ابن بري: حكى ثعلب وكمأة بإلقاء حركة الهمزة على الميم، وقال عبد اللطيف البغدادي: فيها من جهة العربية أمر غريب: كمء مفرد وكمأة جنس بخلاف ما عليه جمهور أهل الكلام، مثل تمر وتمرة وشجر وشجرة، فإن الهاء للمفرد وحذفها للجنس.
          وقال أبو عبيدة: إنما شبهها بالمن الذي كان يسقط على بني إسرائيل؛ لأنه كان ينزل عليهم عفواً بلا علاج إنما يصبحون يرونه بأفنيتهم فيتناولونه، وكذلك الكمأة لا مؤنة فيها ببذر ولا سقي(5).
          (اللدود) بالفتح ما يسقاه المريض في أحد شقي الفم.
          (كراهية) بالرفع والنصب سبق توجيهه قبل كتاب التفسير، وإنما لدهم لأنهم لدوه بعد أن نهاهم عن ذلك انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (لا يبقى في البيت أحد إلا لد) فإن قلت: كان الظاهر أن تلد من باشر لده، وهو سقية الدواء من أحد جانبي الفم لا كل من في البيت، قلت: والله أعلم لأنه أمر كل من في البيت بقوله: لا تلدوني، بحيث أنه باشر بعضهم اللد وبعضهم سكت عن من باشر ذلك فكأنه وافق فاستحق ما يسمعه المباشرة، ويوضح هذا قول عمر لو تمالأ أهل صنعاء علي قبل رجل الحديث.
          والسكوت قد نقومه مقام القول والفعل في كثير من الأمور: الأول: أنه ◙ كان يفعل الصحابة أو يقول شيئاً بحضرته فلا ينهاهم فتصير من السنة، وهو من القسم الثالث فيها، فإن السنة على ثلاثة أقسام: إما فعله أو قوله والخلاف في أن القول أقوى أو الفعل معروف في علم الأصول، أو تقريره وهو أنه يفعل الصحابة شيئاً بحضرته ويسكت ولا ينهاهم.
          والثاني: سكوت البكر يقوم مقام نطق الثيب، والساكت عن جواب المدعي يقوم مقام النكول وغير ذلك.
          قوله: (من سبع قرب) فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص هذا العدد من بين سائر الأعداد؟ قلت: شرف هذا العدد على غيره من العدد من سبعة أوجه:
          1- قال صاحب ((النسمات الفائحة)) وغيره من أرباب علم الرياض: السبعة أول عدد كامل؛ لأنها جمعت العدد كله؛ لأن العدد أزواج وأفراد، فالأزواج منها أول وثاني فالاثنان أول الأزواج، والأربعة عدد ثان والثلاثة أول الأفراد والخمسة فرد ثان، فإذا جمعت الزوج الأول مع الفرد الثاني أو الفرد الأول مع الزوج الثاني كانت سبعة وهذه الخاصة لا توجد في عدد قبل السبعة.
          2- ما حكاه بعض المفسرين أن العرب تبالغ بالسبعة؛ لأن التعديل في نصف العدد وهو خمسة إذا زيد عليه اثنان كان لأقصى المبالغة ولا زيادة على ذلك.
          3- قال الأستاذ أبو عبد الله الكفيف المالقي في واو الثمانية أنها لغة فصيحة لبعض العرب من شأنهم أن يقولوا إذا عدوا واحداً اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة، فهكذا هي لغتهم ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو انتهى.
          أقول:
          قال بعضهم: إنما كان ذلك كذلك؛ لأن السبعة عندهم عقد كامل والعدد بعدها مستأنف، ومنه قوله تعالى: {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] فأثبت الواو بعد السبعة ولم يثبتها فيما تقدم من الأعداد واللغة الفصيحة التي أشار إليها هي لغة قريش فيما حكاه الثعلبي عن أبي بكر بن عياش.
          قال ابن عطية في ((تفسيره)): وقد جعل الله تعالى السبع مائة والسبعين والسبعة مؤالف ونهايات لأشياء عظيمة وكذلك مشى العرب وغيرهم على أن جعلوها نهايات، ويؤيد هذا سبعة / مواضع من كتاب الله تعالى:
          أحدها: قوله {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية [التوبة:80] على أنه ليس المراد هنا بذكر السبعين حدًا محدوداً لوجود المغفرة بعدها، وإنما هو على وجه المبالغة يذكر هذا بدليل ما رواه مجاهد وقتادة أن النبي صلعم قال: ((سوف أستغفر لهم أكثر من سبعين)) فأنزل الله تعالى: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} الآية(6) [المنافقون:6].
          الثاني: قوله تعالى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} [الأعراف:155] قيل: اختار من اثني عشر سبطاً من كل سبط ستة فلما صاروا اثنين وسبعين قال ليتخلف منكم اثنان فتشاحوا، فقال: أجر من قعد مثل أجر من خرج فقعد كالب ويوشع.
          وروي أنه لم يصب إلا ستين شيخاً فأوحى الله إليه أن يختار من الشبان عشرة ليكمل بهم السبعين فاختارهم فأصبحوا شيوخاً، قال ابن إسحاق: اختارهم موسى ليستغفروا مما صنعوا ويسألوا التوبة على من تركوا وراءهم ممن عبد العجل(7).
          الثالث: قوله: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] قيل: السلسلة سبعون ذراعاً كل ذراع سبعون باعاً كل باع كما بين رحبة الكوفة ومكة، في الحديث لو أرسلت رصاصة؛ يعني: صخرة بقدر رأس الجبل من السماء إلى الأرض لبلغتها قبل الليل ولو أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ، وروي أن جميع أهل النار فيها.
          4- 5- قوله تعالى: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] قال الإمام فخر الدين الرازي: وقد أكثر الله تعالى من ذكر السموات والأرض في كتابه العزيز، وذلك يدل على عظم شأنها وعلى أن له سبحانه وتعالى فيها أسراراً عظيمة وحكماً بالغة لا تصل إليها أفهام الخلق، وقد جعل الله أديم السماء ملوناً بهذا اللون الأزرق لتنتفع بها الأبصار الناظرة إليها؛ لأن فيه تقوية لها فهو تعالى جعل لونها أحسن الألوان وهو المستنير وشكلها أحسن الأشكال وهو المستدير، وقدر فيها تبارك وتعالى بسبع أشياء بالمصابيح وبالقمر وبالشمس وبالعرش وبالكرسي وباللوح وبالعلم فهذه السبع ثلاثة فيها ظاهرة وأربعة خفية، ثبتت بالدلائل السمعية من الآيات والأخبار.
          6- 7- قوله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة:261] وجه استنباط السابع من هذه الآية الكريمة أن الحبة أنبتت سبع سنابل وفي كل سنبلة مائة حبة فصارت الجملة سبعمائة حبة.
          وقال بعض المفسرين: السبعة عدد مقنع؛ لأنها في السموات وفي الأرض وفي خلق الإنسان وفي رزقه وفي أعضائه التي بها يطيع الله تعالى وبها يعصيه وهي عيناه وأذناه ولسانه وبطنه وفرجه ورجلاه، وقال الإمام فخر الدين في ((أسرار التنزيل)) لا إله إلا الله محمد رسول الله سبع كلمات وللعبد سبعة أعضاء وللنار سبعة أبواب بكل كلمة من هذه الكلمات السبع يعلق باباً من الأبواب السبع عن عضو / من الأعضاء السبع.
          قال بعض العلماء: وقد استقرئت حروف هذا العدد وبين س ب ع وما تصرف فيها بتقديم بعضها على بعض وتأخيره فوجد بها يحمل ست تركيبات خمسة فيها مستعملة هي كلام العرب وواحد مهمل والخمسة المستعملة وما يصرف فيها لا يخلو من معنى القوة والعظمة.
          1- س ب ع يقال: سبعت الذئاب الغنم أي: فرستها فأكلتها والسبع والسبعة بضم الباء فيها الأسد واللبوة.
          2- س ع ب السعابيب من الماء هو الصافي الجاري الذي فيه تمدد وقوة.
          3- ب س ع مهملة لم يستعملها العرب.
          4- ب ع س قال في ((المحكم)): البلعس الناقة الضخمة.
          5- ع ب س عبس أبو قبيلة من قيس والعبوس الجمع الكثير ويوم عبوس وعابس أي: شديد، والعنبس الأسد.
          6- ع س ب عسيب اسم جبل واليعسوب ملك النحل وكل رئيس قوم يسمى يعسوباً.
          فقد ظهر بهذا الاستقراء من هذا العدد على غيره وأن القوة لا تنفك عنه حيث لزمت تصاريف حروفه ودارت معها حيث ما دارت وهذه طريقة تسمى الاشتقاق الأكبر ولم يتعرض إلى ذكرها من العلماء إلا القليل كائن حي في الخصائص وابن الخباز في ((شرح الإيضاح)) وهذا يفيد الناظر فيه من مواضع كثيرة يذكر هذا العدد فيه، والله أعلم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: الأمراض المعدية، الجرب والجذام، والأمراض المتوارثة: حصى المثانة ووجع المفاصل والجنون)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: ليس عرق ولا غصن)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: ما فائدة ذكر العباس دون غيره من الغائبين؟ قلت: لأنه كان غالب الوقت في حال مرضه يكون حاضراً وكان من أهله وأعز أقاربه)).
[4] في هامش المخطوط: ((أقول: ودائماً يشكل علي في أنه ما الحكمة في جعل أبواب الجنة ودرجاتها ثمانية وأبواب النار ودركاتها سبعة، وقياساً على المخلوقات الشريفة أن تكون أبواب الجنة ودرجاتها سبعة)).
[5] في هامش المخطوط: ((أقول: الكمأة قيل: إنه من المنون، وهو ينزل في يوم غيم ورعد وهو لا عرق له ولا أغصان وسنة لا يكون فيها رعد ولا مطر ولا غيم لا يؤخذ بري)).
[6] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا لا يدل على مدعاه فإنه يدل على عدد السبعين لا على الكثرة)).
[7] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت ما الحكمة في أن أبواب النار سبعة وكذلك دركاتها وأبواب الجنة ثمانية وكذلك درجاتها؟ قلت: لأنها تفضل سائر الأشياء التي تفضل بها الرب تعالى على عباده المخلصين فزادت على غيرها بواحد فإن غالب المخلوقات التي خلقها لمصالح العباد سبعة سبعة فالسموات والأرض وأيام الجمعة وغير ذلك.
أقول: وحصل لي مع واحد من جهلة زماننا ممن هو في زمن أهل العلم بحث وذلك أني قلت لجماعة من أهل العلم هذا السؤال فلم يجيبوا بشيء فقال ذلك الجاهل: أبواب النار أيضاً ثمانية منها باب اللعان هو مسدود تعليله قال الله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ}.....)).