مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب اللدود

          ░21▒ باب اللدود
          فيه حديث ابن عباس وعائشة أن أبا بكر قبل النبي صلعم وهو ميت... الحديث.
          وحديث أم قيس قالت: دخلت بابن لي على رسول الله وقد أعلقت عليه من العذرة الحديث.
          حديث ابن عباس وعائشة سلفا في المغازي، ويأتي في الديات، وأخرجه (م) أيضاً، وحديث أم قيس سلف قريباً.
          فإن [قلت]: لم أمر الشارع أن يلد كل من في البيت؟ قلت: أجاب عنه المهلب بأن قال: وجهه والله أعلم أنه لما فعل به من ذلك ما لم يأمرهم به من المداواة بل نهاهم عنه وآلم بذلك ألماً شديداً، أمر أن يقتص من كل من فعل به ذلك، ألا ترى قوله: ((لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا العباس فإنه لم يشهدكم)) فأوجب القصاص على كل من لده من أهل البيت ومن ساعدهم في ذلك ورواه؛ لمخالفتهم نهيه ◙.
          وقد جاء هذا المعنى في / رواية ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن كعب أنهم لدوا النبي صلعم في مرضه، فلما أفاق قال لهم: ((لم فعلتم ذلك))؟ قال: خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب. فقال: ((إن ذلك لداء ما كان الله ليقذفني به، لا يبق في البيت أحد إلا لد إلا عمي)) فقد لدت ميمونة وهي صائمة لقسم رسول الله عقوبة لهم بما صنعوا برسول الله.
          وسيأتي في الديات في باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقبهم أو يقتص منهم كلهم؟ وأجاب ابن العربي بجواب لطيف، وهو أنه إنما لدهم لئلا يأتون يوم القيامة وعليهم حقه فيدركهم خطب عظيم.
          قلت: وروى الحاكم في ((مستدركه)) وقال: على شرط (م): ((ذات الجنب من الشيطان، وما كان الله ليسلط علي)) قال: وأما ما روي عن عائشة أنها قالت: مات ◙ من ذات الجنب، فخبر واهٍ.
          واستنبط بعض العلماء من هذا الحديث أخذ عمر قتل من تمالأ على قتل الغلام بصنعاء، وفيه بعد، كما قال القرطبي؛ إذ يمكن أن يقال: جاز ذلك فيما لا إراقة دم فيه لخفته في مقصود الشرع. ولا يجوز ذلك في الدماء لحرمتها وعظم أمرها، فلا يصح حمل أحدهما على الآخر، وإنما الذي يستنبط منه أن المجامع في الجناية المعين عليها كالناظور الذي هو الطليعة كالمباشر لها، فيقتص من الكل، لكن فيما لا دم فيه، وقد نبه ◙ على هذا المعنى بقوله: ((إلا العباس، فإنه لم يشهدكم)).
          فإن قلت: عارض هذا [قول] عائشة: كان ◙ لا ينتقم لنفسه.
          ويجاب بأنه لا ينتقم لها باعتبار الأكثر من حاله، أو أنها نسيت هذا الحديث(1)، وقيل: أرادت في المال، وأنه إذا أصيب بدنه كان انتهاكاً لحرمة الله؛ ذكرها ابن التين.
          فإن قلت: فلم لم يعف عنهم؟ قيل: أراد أن يؤدبهم لئلا يعودوا إلى مثلها، فيكون لهم أدباً وقصاصاً، أو أنه فعل ذلك بهم لأنهم لدوه في مرض تحقق فيه الموت، وإذا تحقق العبد الموت كره له التداوي.
          وفيه: دليل أن يقتص من اللطمة ونحوها، وهو أحد قولي مالك، قاله الداودي، وزاد أن قوله: ((إلا العباس، فإنه لم يشهدكم)) فيه دليل أن العمد يقتص منه؛ لأنه لو شهد لاقتص منه.
          قوله: (قلت لسفيان: فإن معمراً يقول) إلى آخره، قال الخطابي عن ابن الأعرابي: يقال: أعلقت عن الصبي: إذا عالجت منه العذرة، وهو وجع الحلق، قال: وأكثر المحدثين يروونه: أعلقت عليه، والصواب ما حفظه سفيان. وسلف ذلك، وكذا قال ابن بطال بعد أن ساق كلام ابن قتيبة في العذرة: الصواب: أعلقت عنه، كذلك حكاه أهل اللغة ولم يعدوه إلا بـ(عن).


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله: نسيت، مشكل فإنه كل ما روى صحابي أو غيره حديثين متعارضين يعقل مائة نسيئ فحينئذ أو يقول فيهما انتهاك حرمة الله، وذلك أنه إذا آذى النبي ◙ فقد انتهك حرمة رسوله ويلزم منه انتهاك حرمة يرتفع التعارض بين الأحاديث كلها وغالب الأحاديث في الأحكام وغيرها متعارضة والتوفيق بينها فيه فوائد شريفة وعوائد منيفة)).