مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الرقى بالقرآن والمعوذات

          ░32▒ باب الرقى بالقرآن والمعوذات
          فيه حديث عائشة أنه ◙ كان ينفث على نفسه الحديث وكرره في الطب، وسلف في فضائل القرآن والمغازي وزاد خلف: وفي الأدب، وأخرجه (م) (د) (ن) (ق).
          والاسترقاء بالمعوذات: استعاذة بالله تعالى من شر كل ما خلق، ومن شر النفاثات في السحر، ومن شر الحاسد، ومن شر الشيطان / ووسوسته، وهذه جوامع من الدعاء تعم أكثرها المكروهات، ولذلك كان ◙ يسترقي بها، وهذا الحديث أصل أن لا يسترقى إلا بكتاب الله وأسمائه وصفاته.
          وقد روى مالك في ((الموطأ)) أن الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: ارقيها بكتاب الله. يعني بالتوراة والإنجيل؛ لأن ذلك كلام الله الذي فيه الشفاء، وذكره ابن حبان في ((صحيحه)) مرفوعاً أنه ◙ دخل.. الحديث.
          قال ابن حبان: قوله: عالجيها بكتاب الله، أي: بما يبيحه كتاب الله؛ لأن القوم كانوا يرقون في الجاهلية بأشياء فيها شرك، فزجرهم بهذه اللفظة عن الرقى إلا بما يبيحه كتاب الله.
          وقد روي عن مالك جواز رقية اليهودي والنصراني للمسلم إذا رقى بكتاب الله، وهو قول الشافعي، وعنه أنه كره رقى أهل الكتاب وقال: لا أحبه، وذلك والله أعلم لأنه لا يدري هل يرقون بكتاب الله أو الرقى المكروهة التي تضاهي السحر.
          وهذا الحديث ذكره (خ) في باب النفث الآتي قريباً بلفظ: كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وبالمعوذتين جميعاً ثم مسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده، فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به(1).
          قوله: (ينفث) بكسر الفاء وضمها، قال أبو عبيد: هو شبيه بالنفخ، وأما التفل فلا بد فيه شيء من الريق.
          وفيه: إثبات الرقى، والرد على من أنكر ذلك من الإسلاميين.
          وهو دال على الرقية في صحة الجسم.
          فائدة: النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء أو النفس المباشر لتلك الرقية والذكر، وقد يكون على وجه التفاؤل بزوال الألم عن المريض وانفصاله عنه كما ينفصل ذلك النفث عن الراقي.
          وفيه: إباحة النفث في الرقى، وقد روى الثوري عن الأعمش، عن إبراهيم قال: إذا رقيت بآي القرآن فلا تنفث.
          وقال الأسود: أكره النفث. وكان لا يرى بالنفخ بأساً.
          وكرهه أيضاً عكرمة والحكم بن حماد، وفيه أيضاً: المسح باليد عند الرقية، وفي معناه المسح باليد على ما ترجى بركته وشفاؤه وخيره، مثل المسح على رأس اليتيم وشبهه.
          وفيه: التبرك بالصالحين وأيمانهم كما فعلت عائشة بيده اليمنى دون الشمال.
          قيل: وفيه: أن أقل الجمع اثنان، لقوله: بالمعوذات، وهما معوذتان، وهو عجيب، وأغرب من ذلك أنه من باب التغليب، ومعهما {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} وغلب، وقد سلف.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: والمعروف عند النحاة أن أقل الجمع ثلاثة ويقال إن أقل الجماعة اثنان)).