الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الحياء في العلم

           ░50▒ (باب: الحياء في العلم)
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: التَّرجمة في قوله: (لأَن تكون قُلْتَها أحبُّ إليَّ) حيث أنكر عليه عمر ☺ استحياءه ولم يرضَ به منه. انتهى.
          وفي «هامشه» اختلفوا في مقصود المصنِّف بهذا الباب، وظاهر كلام الشَّيخ أنَّ الغرض ترك الحياء في العِلم، وعليه حمله عامَّة الشُّرَّاح.
          قال السِّنديُّ: أي: لا ينبغي، ومثلُه لا يُسَمَّى حياءً شرعًا بل ضعفًا، فلا ينافي (الحياء مِنَ الإيمان)، وإليه ميل الحافظ.
          وإليه مال شيخ المشايخ في «تراجمه» إذ قال: ثبت بحديث الباب عدم الحياء في العِلم، وحسنه أيضًا ثابتٌ بما تقرَّر في بعض طرق الحديث أنَّ أمَّهات المؤمنين عِبْنَ أمَّ سُلَيمٍ لأجل هذا السُّؤال، فمنعهنَّ رسول الله صلعم عن ذلك. انتهى.
          ومال العينيُّ وتبعه صاحب «فيض الباري» أنَّ المقصود مِنَ التَّرجمة التَّفصيل، وهو أنَّ الحياء مطلوبٌ في موضعٍ، وتركُه مطلوبٌ في موضعٍ، فالأوَّل أشار إليه بحديث أمِّ سلمة وحديث ابن عمر، والثَّاني أشار إليه بالأثر المرويِّ عن مجاهدٍ وعائشة.
          وسلك شيخ الهند في «تراجمه» مسلكا ثالثا، فقال أطلق الإمام الترجمة ولم يحكم عليها بحكم، وظاهرها عدم الاستحباب كما صرح به الأعلام، ويؤيده قول مجاهد وعائشة، لكن النظر الدقيق يؤدي إلى أن عند المصنف فيه تفصيلا، ولذا لم يعين الحكم بل أشار إليه بإشارات لطيفة، وهي أن المصنف ينبه على أن قوله إن الله لا يستحيي من الحق، حق لا مراء فيه، لكن معناه أنه لا ينبغي أن يترك له التفقه، وليس الغرض ألا يستحيي في العلم بل ينبغي له اهتمام(1) الحياء في التعلم، وهذا هو الغرض الأصلي من الترجمة، ويدل عليه حديث أم سليم فإن فيه تنبيهات من غط الوجه وغيره، ويشير إليه قوله صلعم (تربت يداك)، ولذا عقد بعد ذلك (باب من استحيا فأمر غيره...) إلى آخره، تنبيها على أنه لا بأس في ترك السؤال لأجل الحياء، أما حديث ابن عمر ☺ فدلالته على الترجمة خفية، والحق أنه أيضا يدل على ما قلنا، فإن سكوته للحياء كان مستحسنا، وقول عمر ☺ ليس بنكير عليه بل هو إظهار لمسرته. انتهى ملخصا من «هامش اللامع».


[1] في (المطبوع): ((إهمال)).