الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قوله تعالى {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}

           ░47▒ (باب: قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85])
          قال العينيُّ: أراد بهذا الباب التَّنبيه على أنَّ مِنَ / العِلم أشياء لم يُطْلِع الله عليها نبيًّا ولا غيره، وروي أنَّ رسول الله صلعم لمَّا قال لهم ذلك: قالوا: أنحن(1) مختصُّون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه؟ فقال: (بل نحن وأنتم لم نُؤت مِنَ العِلم إلَّا قليلًا)(2)... الحديث، وعلى هذا فمقصود التَّرجمة نفي علم الغيب الكلِّيِّ عن غيره تعالى، وهو واضحٌ.
          وفي «تراجم شيخ الهند»: الغرض التَّنبيه على أنَّ الرَّجل وإن كان مِنْ أكابر العلماء ينبغي له أن يعدَّ علمه قليلًا ناقصًا، لأنَّ جميع علوم النَّاس كلِّهم لمَّا كانت قليلةً فما ظنُّك بعلم كلِّ واحدٍ واحد(3) مِنَ النَّاس؟ وثمرة ذلك غاية التَّواضع والتَّحرُّز عن الحجاب بنفسه. انتهى ما في «هامش اللَّامع».
          وممَّا يجب التَّنبيه عليه الفرق بين هذه التَّرجمة وبين ما تقدَّم مِنْ (باب: ما يُسْتَحب للعَالم إذا سُئل...) إلى آخره، إذ أفاد شيخ الهند في «تراجمه» في غرض التَّرجمتين معًا التَّواضع للعلماء، وما يظهر مِنْ روايات التَّرجمتين أنَّ غرض التَّرجمة الأولى هو التَّواضع للعلماء، وأنَّه لا ينبغي لعالمٍ أن يظنَّ بنفسه أنَّه أعلم النَّاس ولو كان واقعًا في نفسه كذلك، كالرُّسل في مقابلة أمَّتهم، وهو التَّواضع بداهةً، وأمَّا غرض هذه التَّرجمة هو قلَّة علم المخلوقات، حتَّى الأنبياء والرُّسل أيضًا بمقابلة علم الله تعالى وهو قطعيٌّ، فالفرق بين التَّرجمتين واضحٌ.
          قوله: (قُلِ الرُّوحُ...) إلى آخره ، بسط الحافظ في: (باب قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} الآية [النحل:40])، في المراد بالرُّوح المسؤول عنه ورجَّح أنَّه لم يقع في القرآن تسميتها روحًا بل سمَّاها نفسًا، وذكر الآيات في ذلك.
          وقال صاحب «الفيض»: وادَّعى الحافظ ابن القيِّم أنَّ المراد في الآية المعنى الأوَّل يعني غير الرُّوح الإنسانيِّ، ومال صاحب «الفيض» إلى أنَّ المراد في الآية هو المعنى الثَّاني، أي: المدبِّر للبدن... إلى آخر ما بسطه.
          وسيأتي البحث عن عالم الأمر وعالم الخلق في آخر الكتاب في (باب: قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} الآية [النحل:40])، وذكر هناك في «هامش اللَّامع» بينهما أكثر مِنِ اثني عشرَ فرقًا.


[1] في (المطبوع): ((نحن)).
[2] أوجز المسالك1/470
[3] قوله: ((واحد)) غير مكرر في (المطبوع).