الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إثم من كذب على النبي صلعم

           ░38▒ (باب: إِثْم مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبيِّ صلعم...) إلى آخره
          لم يتعرَّض الشَّيخ قُدِّس سرُّه عن هذه(1) / التَّرجمة في «اللَّامع» وزيدت في «هامشه» وفيه: زدتها تنبيهًا على أنَّها عندي مِنْ تكملة التَّرجمة السَّابقة، كأنَّ المصنِّف قيَّدها بهذه التَّرجمة، بأنَّ الاهتمام ممَّا لا بدَّ منه، لكن مع شدَّة الاهتمام في التَّوقِّي عن الكذب عليه صلعم.
          ثُمَّ رأيت، أشار إلى ذلك شيخ الهند في «تراجمه» إذ قال: وعُلم مِنَ الأبواب السَّابقة المتعدِّدة أهميَّة التَّبليغ والتَّعليم والتَّعميم والتَّكثير، وفيه خطر الكذب غالبًا، بإرادةٍ كانَ أو بدُون إرادةٍ، ولذا نبَّه بذكر هذه التَّرجمة أنَّ التَّبليغ والتَّعليم لا بدَّ فيه مِنَ الاحتياط والاهتمام، ويحترز عن التَّخمين والمجازفة. انتهى معرَّبًا.
          وفي «هامش اللَّامع» قال الحافظ: رتَّب المصنِّف أحاديث الباب ترتيبًا حسنًا، لأنَّه بدأ بحديث عليٍّ، وفيه مقصود الباب، وثنَّى بحديث الزُّبير الدَّالِّ على توقِّي الصَّحابة وتحرُّزِهم عن الكذب عليه، وثلَّث بحديث أنسٍ الدَّالِّ على أنَّ امتناعهم إنَّما كان مِنَ الإكثار المُفْضِي إلى الخطأ لا عن أصل التَّحديث، لأنَّهم مأمورون بالتَّبليغ، وختم بحديث أبي هريرة الَّذِي فيه الإشارة إلى استواء تحريم الكذب عليه، سواءٌ كانت دعوى السَّماع منه في اليقظة أو في المنام. انتهى.
          وفي «تراجم شيخ المشايخ»: اعلم أنَّ الكذب على النَّبيِّ صلعم وإن لم يمكن مِنَ الصَّحابيِّ، لكن في إكثار الرِّواية مظنَّة أن يقع شيءٌ مِنْ ذلك، ما(2) يجب أن يحترز عن مظنَّته(3) أيضًا، والمكثرون مِنَ الصَّحابة كانوا واثقين بالحفظ والضَّبط مأمونين عن وقوع الكذب، ومع ذلك قصدوا نشر العلم وإشاعته فهم مجزيُّون بنيَّاتهم الحسنة أحسن الجزاء، والمقلُّون أيضًا مجزيُّون بنيَّاتهم الحسنة أحسن الجزاء {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة:148].
وللنَّاس فيما يعشقون مذاهب.
          انتهى.
          ثُمَّ لا يذهب عليك أنَّ في الباب حديث مكِّيِّ بن إبراهيم، قال الحافظ: هذا الحديث أوَّل ثلاثيٍّ وقع في البخاريِّ، وقد أُفْرِدَت فبلغت أكثر مِنْ عشرين. انتهى.
          قلت: هي اثنان وعشرون حديثًا آخرها حديث خلَّاد بن يحيى في: (باب قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:7]).
          ومكِّيُّ بن إبراهيم هذا مِنْ تلامذة الإمام أبي حنيفة كما في تهذيب الحافظ، قال: وليس في البخاريِّ أعلى مِنَ الثُّلاثيَّات. انتهى.
          كذا في «هامش اللَّامع».
          وقد بسطت الكلام على ثلاثيات البخاري في مقدمة «اللامع» تحت خصائص البخاري، وفيه أن في البخاري اثنين وعشرين حديثا من الثلاثيات، وهم يعدونها بتلك الشدة من الاهتمام، ويكتبون على هامش كل واحد منها، الأول من الثلاثيات، والثاني من الثلاثيات، بقلم جلي، ويفردون الكلام عليها وهي اثنان وعشرون حديثا، العشرون منها من تلامذة الإمام الهمام أبي حنيفة النعمان، أو تلامذة تلامذته، وقد أفردت الكلام على ذلك في مقدمة «اللامع» في خصائص البخاري، ولذا قيل إن فقه الإمام أبي حنيفة [أكثره] ثنائي، فافهم.


[1] في (المطبوع): ((لهذه)) بدل قوله: ((عن هذه)).
[2] في (المطبوع): ((وما)).
[3] في (المطبوع): ((مظنة)).