الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول النبي اللهم علمه الكتاب

           ░17▒ (باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)
          قال الحافظ: استعمل لفظ الحديث ترجمةً، تمسُّكًا بأنَّ ذلك لا يختصُّ جوازه بابن عبَّاسٍ، والضَّمير على هذا لغير مذكورٍ، ويحتمل أن يكون لابن عبَّاسٍ نفسه لتقدُّم ذكره في الحديث السَّابق إشارة إلى أنَّ الَّذِي وقع لابن عبَّاسٍ مِنْ غلبته للحرِّ بن قيسٍ إنَّما كان بدعاء النَّبيِّ صلعم له. انتهى.
          ويحتمل عندي أنَّ المصنِّف أشار بذلك إلى سبب الدُّعاء، وهو خدمته صلعم؛ إذ وضع له وَضوءًا لمَّا دخل الخلاء، كما سيأتي في: (باب: وَضْع الماء عند الخَلاء) أو أدبه معه صلعم.
          قال الحافظ: فقد أخرج أحمد عن ابن عبَّاسٍ في قيامه خلفه صلعم في صلاة اللَّيل، فقال: (ما بالك أجْعَلُكَ(1) حِذَائي فتَخْلُفُني؟ فقلت: أوَيَنبغِي لأحدٍ أن يصلِّي حِذَاءك [وأنت رسول الله]؟ فدعا لي أن يزيدني(2) الله فهمًا وعلمًا). انتهى.
          وفي «تراجم شيخ الهند» ما تعريبه: وتظهر عن(3) هذه القصَّة عظمة العِلم وفضيلته وفضل ابن عبَّاسٍ معًا بداهةً، ولذا ذكر المؤلِّف ☼ هذه الرِّواية في: «كتاب العلم» وفي مناقب ابن عبَّاسٍ أيضًا، ويعلم منه أيضًا أنَّ العِلم مِنْ عطاء الله الخاصِّ كما مرَّ في (باب: مَنْ يُرِد الله به خيرًا...) إلى آخره، فإنَّ المرء مهما كان ذكيًّا وفهيمًا، ومهما اجتهد وبذل الوسع لتعلُّم العِلم، لا يَعْتَمِد عليه، بل لا بد مِنَ التَّوجُّه والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، فلا تتيسَّر هذه النِّعمة إلَّا بإرادته ╡، يعني أنَّ الدُّعاء والالتجاء إلى الله مِنْ لوازم التَّعلُّم أيضًا، فيحتاج إليه أشدَّ الحاجة مع الفهم والسَّعي في العِلم. انتهى.
          وفي «اللَّامع»: باب قوله: (اللَّهمَّ علمه الكتاب) فيه إشارةٌ إلى أنَّ مَنْ كان عنده علمٌ مِنَ الكتاب كان مستفيدًا مِنْ صدر نبيِّه صلعم، وكأنَّه منضمٌّ صدره إلى صدره صلعم. انتهى.
          وفي «هامشه» يعني في ضمِّ صدره إلى صدره صلعم إشارةٌ لطيفةٌ إلى ذلك.
          قلت وهو شبيه ما تقدم في مبدأ الوحي من غط جبريل النبي صلعم، ويحتمل أن يكون المصنف أشار بالترجمة إلى أدب العالم والأستاذ، بأنه ينبغي له الدعاء لطلبة العلم كما دعا النبي صلعم لابن عباس، وقد يكون المصنف أطلق الترجمة لتكثير الفائدة، فيدخل فيه الترغيب في دعاء العالم وفي دعاء الطالب لنفسه، والله أعلم.


[1] في (المطبوع): ((أجعلها)).
[2] في (المطبوع): ((يزيد فيَّ)).
[3] في (المطبوع): ((من)).