الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه

           ░36▒ (باب: مَنْ سَمِعَ شَيئًا...) إلى آخره
          وفي «تراجم شيخ الهند» ما تعريبه: المقصود بيان فضل المراجعة عند عدم الفهم، أو التَّنبيه على أنَّ في المراجعة ليس سوء أدب بالعلم(1)، ولا فيه تحقيرٌ للمتعلِّم، فلا ينبغي للعالم الملال والتَّضجُّر عنه، ولا للمتعلِّم الاستحياء مِنَ المراجعة. انتهى.
          قال الحافظ: فيحمل ما ورد مِنْ ذمِّ مَنْ سأل عن المشكلات على مَنْ سأل تَعَنُّتًا، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} الآية [آل عمران:7] ، وفي حديث عائشة ♦: (فإذ رأيتم الَّذين يسألون عن ذلك فهُمُ الَّذين سمَّى اللهُ فاحذروهم)(2). انتهى مختصرًا.
          والأوجه عندي في غرض التَّرجمة ما تقدَّم قريبًا عن كلام ابن المُنَيِّر في (باب: مَنْ أعاد الحديث ثلاثًا)، وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» (باب: مَنْ سمع...) إلى آخره، وعُلم بالرِّواية المُورَدَة فيه جواز ذلك على استحبابه، لدوام عائشة ♦، وتقرير النَّبيِّ صلعم لها عليها، وكان سؤالها عن قوله: (مَنْ حُوسِبَ هَلَكَ)، مبنيًّا على ما هو أصل الحنفيَّة أنَّ العامَّ يجري على عمومه إلَّا إذا قامت قرينةٌ، وأمَّا ما استثناه العقل: فخارجٌ عن البحث لخروجه عقلًا، والكلام في الشَّرعيَّات، ولو كان كلُّ عامٍّ مخصوص البعض كما هو عند الشَّافعيَّة لما افتقرت إلى السُّؤال، وحملت الآية على هذا البعض الخارج عن عموم قوله صلعم: (مَنْ حُوسِبَ هَلَكَ)، وحاصل جوابه صلعم عن مسألتها أنَّ الحساب في الآية مجازٌ عن العرض سمَّاه حسابًا لصورة المحاسبة فيه، وليس حسابًا حقيقةً، فإنَّ الحساب هو استيفاء الدَّخل باستيفاء الخرج، ولا يكون في العرض مطالبة الحقوق الواجبة بأسرها، ولا المعاتبة على الكبائر والصَّغائر بتمامها بل يقتصر على عرض أعماله مِنَ الخير والشَّرِّ فحسب. انتهى.
          وفي «هامشه» قوله: على ما هو أصل الحنفيَّة، هذه مسألةٌ أصوليَّةٌ مختلفةٌ بين الأئمَّة، قال صاحب «المنار» إنَّ العامَّ يوجب الحكم فيما يتناوله قطعًا، قال الشَّارح: قوله: قطعًا ردٌّ على الشَّافعيِّ حيث ذهب إلى أنَّ العامَّ ظنِّيٌّ، لأنَّه ما مِنْ عامِّ إلَّا وقد خصَّ عند(3) البعض، فيحتمل أن يكون مخصوصًا منه البعض، وإن لم نقف عليه فيوجب العمل لا العلم، كخبر الواحد والقياس، ونقول هذا احتمالٌ ناشئٌ(4) بلا دليلٍ، وهو لا يعتبر، وإذا خصَّ عنه البعض كان احتمالًا ناشئًا عن دليلٍ فيكون معتبرًا، فعندنا العامُّ قطعيٌّ، فيكون مساويًا للخاصِّ. انتهى.
          وقوله: وحاصل جوابه صلعم: / قال الكرمانيُّ: وجه المعارضة أنَّ الحديث عامٌّ في تعذيب كلِّ مَنْ حوسب، والآية تدلُّ على عدم تعذيب بعضهم، وهم أصحاب اليمين.
          والجواب أنَّ المراد مِنَ الحساب العرض، وعن عائشة: هو أن يعرف ذنوبه ثُمَّ يتجاوز عنه، وقوله: (نوقش) مِنَ المناقشة، وهي الاستقصاء في الحساب. انتهى.
          وفي «تراجم شيخ المشايخ» أنَّه صلعم أشار إلى أنَّ الحساب على نوعين:
          أحدهما: اللُّغويُّ، وهو الَّذِي وُصف في القرآن بكونه يسيرًا.
          وثانيهما: العُرفيُّ وهو المناقشة، وهو المراد في الحديث... إلى آخر ما في «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((بالعالم)).
[2] حاشية السِّندي على صحيح البخاري:1/22
[3] في (المطبوع): ((منه)).
[4] في (المطبوع): ((ناشٍ)).