الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان

           ░7▒ (باب: مَا يُذْكَر في الْمُنَاولة...)
          قال شيخ المشايخ في «تراجمه»: ذكر في التَّرجمة أمرين:
          1-المناولة.
          2-وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، وأثبَتَ بِحَدِيثَي الباب الأمر الثَّاني، فثبوت الأمر الأوَّل بالطَّريق الأَولى، فافهم.
          وقال شيخ الهند في «تراجمه» ما تعريبه: غرض المؤلِّف إثبات المناولة الاصطلاحيَّة، بعد إثبات القراءة والعرض، ولمَّا كان إثبات ذلك مِنَ الأحاديث فيه بعض الضِّيق، لذا عقد المؤلِّف ترجمةً أخرى بغرض إظهار الوسعة والسُّهولة فيه بقوله: وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، وذكر بذيله الأحاديث المسندة، وهي تدلُّ صراحةً على التَّرجمة الثَّانية، ولكنَّ المقصود الأصليَّ مِنْ كلِّ ذلك هو إثبات التَّرجمة الأولى، وقد صنع المؤلِّف هكذا في عدَّة مواضع كما ذكرنا في الأصول. انتهى.
          قلت: هذا الأصل الَّذِي أشار إليه الشَّيخ قُدِّس سرُّه هو الأصل الثَّاني عشرَ مِنْ أصول التَّراجم، وقد تقدَّم في المقدِّمة في ذيل الأصل الثَّامن والعشرين.
          وفي «هامش اللَّامع»: قال الكرمانيُّ: المناولة مِنْ أقسام طُرُق التَّحمُّل، وهي على نوعين:
          أحدهما: المناولة المقرونة بالإجازة، كما أن يدفع الشَّيخ إلى الطَّالب أصل سماعه مثلًا، ويقول: هذا سماعي فأجزت لك روايته عنَّي، وهذه حالَّةٌ محلَّ السَّماع عند مالكٍ وغيره، فيجوز إطلاق حدَّثنا وأخبرنا فيها، والصَّحيح أنَّه منحطٌّ عن درجته، وعليه أكثر الأئمَّة.
          وثانيهما: المناولة المجرَّدة عن الإجازة بأن يناوله أصل سماعه، ولا يقول له: أجزت لك الرِّواية عنِّي، ولهذا لا تجوز الرِّواية بها على الصَّحيح، وقال ابن أمير حاج في «التَّقرير»: إنَّها بدون الإجازة غير معتبرٍ(1)، والإجازة بدونها معتبرةٌ. انتهى.
          ومراد البخاريِّ مِنَ الباب القسم الأوَّل، وقوله: (إلى البلدان) على سبيل المثال لهما، فالحكم عامٌّ بالنِّسبة إلى أهل القرى والصَّحارى وغيرهما، ولفظ الكتاب يحتمل عطفه على المناولة، وعلى ما يُذكر.
          والمكاتبة أيضًا مِنْ أقسام طريق نقل الحديث، وهي أن يكتب الشَّيخ إلى الطَّالب شيئًا مِنْ حديثه، وهي أيضًا نوعان، المقرونة بالإجازة، والمجرَّدة عنها، والأولى في الصَّحة والقوَّة كالمناولة المقرونة بالإجازة، وأمَّا الثَّانية فالصَّحيح المشهور فيها أنَّه تجوز الرِّواية بأن يقول: كتب إليَّ فلانٌ، قال: حدَّثنا فلانٌ، وقال بعضهم بجواز حدَّثنا وأخبرنا فيها... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          والمكاتبة مِنْ أقسام التَّحمُّل، وسوَّى المصنِّف بينها وبين المناولة، ورجَّح قوم المناولة لحصول المشافهة بها، كذا في «الفتح».
          قلت: وفي «رسالتي في أصول الحديث» عن «نور الأنوار» اشتراط البيِّنة في الكتابة، وعن «التَّلويح» قائمٌ مقام القراءة للضَّرورة. انتهى.
          وقال الحافظ: لم يذكر البخاريُّ مِنْ أقسام التَّحمُّل الإجازة المجرَّدة عن المناولة أو المكاتبة ولا الوِجَادة ولا الوصيَّة ولا الإعلام، المجرَّدات عن الإجازة، وكأنَّه لا يرى بشيءٍ منها. انتهى.
          قوله: (حيث كتَبَ لأميرِ السَّرِيَّة) هو عبد الله بن جحشٍ أخو زينب أمِّ المؤمنين، في السَّنة الثَّانية، وقوله: (حتَّى تبلغ مكان كذا وكذا)، هكذا في حديث جُنْدب على الإبهام، وفي حديث عروة (إذا سِرْتَ يومين فافتح الكتاب)، قال: ففتحه هناك فإذا فيه [أن] امض حتَّى تنزل نخلة، فتأتينا مِنْ أخبار قريشٍ، ولا تستكرِهَنَّ أحدًا... إلى آخر ما في «هامش اللَّامع».
          وفي «اللَّامع» قوله: أن يدفعه إلى عظيم البحرين، ففيه دلالةٌ على جواز المكاتبة، ولو لم يكن مفيدًا للعلم لما بعث به إليه، وكذا المناولة. انتهى.
          وفي «هامشه» دلالة الحديث على الجزء الثاني من الترجمة ظاهرة، وأما الجزء الأول فدل / عليه الكتاب الذي ناول أمير السرية. انتهى مختصرا.


[1] في (المطبوع): ((معتبرة)).