الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب كيف يقبض العلم

           ░34▒ (باب: كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ؟)
          وهذا بابٌ ثانٍ بلفظ كيف مِنَ الأبواب الثَّلاثين، والكيفيَّة ظاهرةٌ هاهنا لا مَرَدَّ فيه، أي: يقبض بقبض العلماء.
          وفي «تراجم شيخ الهند» ما تعريبه: مقصود المؤلِّف أن يبيِّن كيفية قبض العلم، وقد ورد في الحديث صراحةً: (لا يقبض انتزاعًا، ولكن يقبض بقبض العلماء) فعلم بذلك بالبداهة أنَّ ذهاب العلم يكون بإذهاب العلماء، وذلك لعدم الإشاعة، وعدم التَّبليغ، فلو استمر التَّعليم والإشاعة مسلسلًا ما حدث ذلك(1) كما مرَّ في (باب: رفع العلم)، وبالجملة فإنَّ غرض المؤلِّف ☼ _بل ومنشأ الحديث المرفوع أيضًا_ هو تأكيد إشاعة العلم وتعميمه، وظهر مقصود التَّرجمة مِنْ قول عمر بن عبد العزيز واضحًا، وشرحت التَّرجمة [السَّابقة] أيضًا [وتكميل الباب الأوَّل في الباب الثَّاني مِنْ عادة المؤلِّف كما مرَّ مرارًا وظهر مِنَ القول المذكور أيضًا] أنَّه يجب لإشاعة العلم أن يعقد العلماء المجالس العلميَّة علانيةً، وفي هذا تسهيلٌ للمتعلِّمين وسعة في التَّرغيب والتَّحريض، وتقييد التَّعليم بالقيود والتَّخصيصات فيه ضياع العلم، الحذر الحذر. انتهى.
          قال الحافظ: قال ابن المُنَيِّر: محو العِلم مِنَ الصُّدور جائزٌ في القدرة إلَّا أنَّ هذا الحديث دلَّ على عدم وقوعه. انتهى.
          قلت: وفي «الإشاعة» روى الدَّيلميُّ عن حذيفة وأبي هريرة معًا قالا: ((يسري(2) على كتاب الله ليلًا فيصبح النَّاس وليس منه آيةٌ ولا حرفٌ في جوفٍ إلَّا نُسخت))، وروي عن ابن عمر ☺ : ((لا تقوم السَّاعة حتَّى يرجع القرآن مِنْ حيث جاء))... إلى آخر ما فيه.
          وفي «الفتح» وعند الطَّبرانيِّ عن عبد الله بن مسعودٍ قال: ولينزعنَّ القرآن بين أظهركم، يسرى عليه ليلًا فيذهب مِنْ أجواف الرِّجال فلا يبقى في الأرض منه شيءٌ، وسنده صحيحٌ، ولكنَّه موقوفٌ. انتهى.
          قلت: وهذا النَّصُّ(3) في محو القرآن عن الصُّدور، وتقدَّم شيءٌ مِنْ ذلك في (باب: رفع العلم).
          قوله: (حتَّى يكون العِلم سرًّا)، وفي «تقرير مولانا حسين على اللَّاهوري»: أي: يُسِرُّون العلماء الدَّقائق والمسائل حتَّى لا يكون أحدٌ مثلهم. انتهى.
          كذا في «هامش اللَّامع».
          قال القسطلاني قوله (سرا) أي خفية كاتخاذه في الدار المحجورة التي لا يتأتى فيها نشر العلم، بخلاف المساجد والجوامع والمدارس ونحوها. انتهى.


[1] قوله: ((ذلك)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((يسرَى)).
[3] في (المطبوع): ((نص)).