الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

           ░13▒ (باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا...)
          وكتب شيخ الهند في «تراجمه»: هذا الباب والآتي متَّصلًا(1) ، وكتب بعده(2): وينبغي أن يحمل التَّرجمة الأولى على الفقه في الدِّين، والثَّانية على الفهم في العلم، ومفهومهما متقاربٌ، ويظهر مِنَ التَّرجمة الأولى وهي بعينها لفظ الحديث المذكور في الباب أمران:
          الأوَّل: أنَّ الفقه في الدِّين خيرٌ عظيمٌ.
          والثَّاني: أنَّ حصول الفقه في الدِّين هو بمحض عطاء الله ╡، حتَّى أنَّ النَّبيَّ صلعم نبَّه على ذلك، واعتذر عن نفسه بقوله: (إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ)، فيظهر منه عظمة الفقه وفضيلته، وذكر في التَّرجمة الثَّانية وهي الفهم في العلم حديث ابن عمر ☺ : (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً...) إلى آخره، وقد مرَّ قبل عدَّة أبوابٍ أيضًا، والظَّاهر أنَّ المؤلِّف ☼ يريد بذلك بيان فضل الفهم، وقد اعترض على هذا بعض أهل التَّحقيق وقالوا: لا يوجد هاهنا لفظٌ يدلُّ على الفضل، ولكن هذا الاعتراض ليس بصحيحٍ، لأنَّ المؤلِّف قد ذكر حديث ابن عمر ☺ هذا في عدَّة أبواب فيما مضى وفيما يأتي، واللَّفظ الدَّالُّ على فضل الفهم موجودٌ في عدَّة رواياتٍ منها ما سيأتي في آخر كتاب العلم، وجاء فيه قول عمر: (لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ [أن يكون لي] كَذَا وَكَذَا)، ودلالته على الفضل واضحةٌ، وقد صنع المؤلِّف هكذا كثيرًا في كتابه، بأنَّه لا يذكر اللَّفظ الدَّال على التَّرجمة في الحديث، فيكتفي على ما قد ذكر ذلك / اللَّفظ في نفس الحديث في موضعٍ آخر، كما مرَّ في الأصول. انتهى.
          قلت: ذكره شيخ الهند في الأصل السَّادس مِنْ أصول «تراجمه» وقد مرَّ في الأصل الثَّالث والعشرين مِنَ الأصول السَّبعين المتقدِّمة في الجزء الأوَّل، ثُمَّ قال شيخ الهند: وعلى هذا لم تبق الحاجة إلى ترك المعنى المعروف مِنْ لفظ الفهم في العلم والتَّوجُّه إلى المعنى غير الظَّاهر، وقد عُلم مِنْ فهم أصغر القوم _هو ابن عمر_ والخفاء على الكبار تأييد قوله صلعم: (وَاللهُ يُعْطِي) المذكور في الباب الأوَّل. انتهى.
          وما أفاده شيخ الهند قُدِّس سرُّه بقوله: (بعض أهل التَّحقيق) أشار به إلى العلَّامة السِّنديِّ، إذ قال: قوله: (باب: الفهم في العلم) أي: بيان أنَّه مختلفٌ، حتَّى إنَّ ابن عمر مع صغر سنِّه فهم ما خفي على الكبار، وليس المراد بيان فضل الفهم إذ لا دلالة للحديث عليه. انتهى.
          وقال الحافظ ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي بتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير، وقد أخرج أبو يعلى من وجه آخر ضعيف، وزاد في آخره ((ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به))، والمعنى صحيح... إلى آخر ما فيه.


[1] لعل الصواب: ((متصلان)).
[2] في (المطبوع): ((بعد)).