التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت

          4177- قوله: (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ): هذا الحديث هنا مرسلٌ، وقد ذكره البُخاريُّ هنا، وفي (تفسير سورة الفتح) [خ¦4833]، وفي (فضائل القرآن) [خ¦5012]؛ هنا: عن عبد الله بن يوسف هو التِّنِّيسيُّ، وفي (الفتح): عن عبد الله بن مَسْلَمة هو القَعْنَبيُّ، وفي (فضائل القرآن): عن إسماعيل هو ابن أبي أُويس؛ كلُّهم عن مالك، وسيجيء الكلام عليه إن شاء الله تعالى في (الفتح) [خ¦4833]، والله أعلم.
          قوله: (كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ): هذا السَّفَر هو عُمرة الحديبية، ولهذا أخرجه البُخاريُّ هنا، والله أعلم.
          قوله: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ): تَقَدَّم أنَّ معناه: فقدتك أمُّك، وأمُّ عمر تَقَدَّم أنَّها حنتمة بنت هاشم _وقيل: بنت هشام_ بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فمن قال: بنت هشام؛ قال: هي أخت أبي جهل، ومن قال: بنت هاشم؛ يقول: هي بنت عمِّ أبي جهل، قال ابن عبد البَرِّ: (والصحيح: بنت هاشم، ومن قال: بنت هشام؛ فقد أخطأ)، انتهى، وليست مسلمة؛ فاعلمه، والله أعلم.
          قوله: (نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم): قال ابن قُرقُول: (بتخفيف الزاي؛ أي: ألححت عليه، وقال مالك: راجعته، وقال ابن وهب: كرَّهتَهُ؛ أي: أتيته بما يكره من سؤالك، ومن شيوخنا من يرويه بالتثقيل والتخفيف جميعًا، والتخفيف هو الوجه، قال أبو ذرٍّ: سألتُ مَن لقيت أربعين سنةً، فما قرأ به قطُّ إلَّا بالتخفيف، وكذا قاله ثعلب وأهل اللُّغة، وبالتشديد ضبطه الأصيليُّ، وهو على المبالغة)، انتهى، وقال السهيليُّ في «روضه» في (غزوة مؤتة): (الأصحُّ فيه التخفيف)، انتهى، والمراد: هو قول عمر ☺: (أليس قتلانا في الجنَّة، وقتلاهم في النار؟...) إلى آخره، هي المراجعة التي قال فيها عمر: (نزرت رسول الله صلعم، كلَّ ذلك لا يُجيبك).
          قوله: (كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ): (كلَّ): منصوبٌ على الظرف، وفي أصلنا مرفوع بالقلم.
          قوله: (أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ): (يُنزَل): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و(قرآنٌ): نائب مناب الفاعل، وهذا ظاهرٌ.
          قوله: (فَمَا نَشِبْتُ): هو بفتح النون، وكسر الشين المعجمة، ثُمَّ موحَّدة ساكنة، ثُمَّ تاء المتكلِّم المضمومة؛ أي: لبثتُ. /
          قوله: (سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي): هذا الصارخ لا أعرفه.
          قوله: (أُنْزِلَتْ عَلَيَّ [اللَّيْلَةَ] سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا(1)، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}[الفتح:1]): قال ابن سعد: (أقام _يعني: النَّبيَّ صلعم_ بالحديبية بضعة عشر يومًا، ويقال: عشرين ليلة، ثُمَّ انصرف، فلمَّا كانوا بضَجْنَان؛ نزلت عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا})، وضَجْنَان: جُبيل على بَريدٍ من مكَّة؛ بفتح الضاد المعجمة، ثُمَّ جيم ساكنة، ثُمَّ نونين، بينهما ألف، وحكى شيخنا في المكان الذي أنزلت عليه (الفتح) أقوالًا: (فعند أبي معشر: بالجُحفة، وفي «الإكليل» عن مُجَمِّع بن جارية: بكُراع الغميم، وعند ابن سعد: بضَجْنَان)، انتهى.
          قوله: (لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ): وسيجيء مثله في (تفسير الفتح) [خ¦4833]، وفي (فضائل القرآن) [خ¦5012] كذلك، فإن قلت: فما معنى قوله: (لهي أحبُّ إلي ممَّا طلعت [عليه] الشمس) مع خساسة قدر الدنيا عنده ◙ وَضَعَةِ منزلتها؟
          فالجواب: له وجهان؛ أحدهما: أنَّ المراد بما ذكر: أنَّها أحبُّ إليه من كلِّ شيءٍ؛ [لأنَّه] لا شيءَ إلَّا الدنيا والأخرى، فأخرج الخبر عن ذكر [الشيء بذكر] الدنيا(2)؛ إذ لا شيء سواها إلَّا الآخرة.
          ثانيهما: أنَّه خاطب بذلك على ما جرى في الاستعمال في المخاطبة؛ من قولهم إذا أراد أحدهم الخبر عن نهاية محبَّته الشيء: هو أحبُّ إليه من الدنيا، وما أعدِلُ به من الدنيا شيئًا؛ كما قال تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}[العلق:15]، ويعني: لنُذلَّنَّه، فخاطبهم بما يتعارفونه، والله أعلم.


[1] كذا في (أ)، وهي رواية الحديث ░170▒، وليست في هذا السياق، والصواب: (مِمَّا طَلَعَتْ عَلِيْهِ الشَّمْسُ) كما في «اليونينيَّة» و(ق).
[2] العبارة في (أ): (فأخرج الشيء عن ذكر الدنيا)، والمثبت من «شرح البخاري» لابن بطال ░10/250▒.