التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة

          4167- قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَخِيهِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو إسماعيل بن أبي أويس عبدِ الله، وأنَّه ابن أخت الإمام مالك [خ¦22]، وتَقَدَّم أنَّ أخاه عبدُ الحميد بن أبي أويس مُترجَمًا [خ¦120]، ولا عِبرةَ بما قيل فيه، وقد قدَّمتُه، و(سُلَيْمَانُ) بعده: تَقَدَّم أنَّه ابن بلال، و(عَمْرُو بْنُ يَحْيَى): تَقَدَّم أنَّه ابن عمارة ابن أبي حسن، و(عَبَّادُ بْن تَمِيمٍ): تَقَدَّم أنَّه الأنصاريُّ المازنيُّ مُترجَمًا.
          قوله: (الْحَرَّةِ): تَقَدَّم أنَّها بفتح الحاء المهملة، وتشديد الراء، و(الحَرَّة): أرض تركبها حجارة سود، ووقعة الحَرَّة بالمدينة تَقَدَّمت أنَّها كانت سنة ثلاث وستِّين مع أهل الشام في خلافة يزيد بن معاوية، وتَقَدَّم ما جرى فيها [خ¦2959].
          قوله: (لِعَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ): تَقَدَّم أنَّه عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأوسيُّ، ولد غسيل الملائكة يوم أُحُد، أُصِيبَ يوم الحَرَّة في سبعة بنين له، تَقَدَّم في (الجهاد) [خ¦2900].
          قوله: (فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ): قال الدِّمياطيُّ: (هو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاريُّ النَّجَّاريُّ المازنيُّ، صاحب الوَضوء، الذي قَتَل مسيلِمة، وقُتِل هو يومَ الحَرَّة لثلاثٍ بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاث وسبعين)، انتهى، كذا في خطِّ الناقل عن الدِّمياطيِّ، وصوابه: وستِّين، كما قدَّمتُه أعلاه، وقبل ذلك أيضًا، وهذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا، وقوله: (الذي قتل مسيلِمة): تَقَدَّم أنَّه شارك فيه، وقدَّمتُ مَن وقفتُ عليه أنَّه شارك في مسيلِمة [خ¦4072].
          قوله: (عَلَى مَا يُبَايِعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ؟): كذا في أصلنا (على ما)، والجادَّة حذفُ الألف، وهذا يجوز على لغة معروفة، و(ابن حنظلة): تَقَدَّم أعلاه وقبله أيضًا أنَّه عبد الله ابنُ حنظلة الغسيل، و(ابنُ حنظلة): يجوز فيه الرَّفع على أنَّه فاعل، و(الناسَ) منصوب على أنَّه مفعول، ويجوز العكس.
          قوله: (قِيلَ لَهُ: عَلَى الْمَوْتِ...) إلى آخره: صريح هذا أنَّه ◙ بايعهم على الموت يوم الحديبية، وكذا صريح حديث سلمة بن عمرو بن الأكوع في «البُخاريِّ» [خ¦2960] و«مسلم»: (وقيل له على ما كنتم تبايعون يومئذٍ؟ قال: على الموت)، وفي رواية جابر ورواية معقل بن يسار: (بايعناه يوم الحديبية على ألَّا نفرَّ، ولم نبايعه على الموت)، وفي رواية مجاشع بن مسعود: (البيعة على الهجرة، والبيعة على الإسلام والجهاد)، وفي حديث ابن عمر وعُبادة: (بايعناه على السمع والطاعة، وألَّا نُنازِع الأمرَ أهلَه) [خ¦7055]، وفي رواية ابن عمر: (البيعة على الصبر) [خ¦2958]، وهذه الأحاديث فيها البيعة من حيث هي، وأمَّا في الحديبية؛ فجمع التِّرمذيُّ بين الروايتين: على الموت، ورواية: ألَّا نفرَّ، فقال: (بايع البعض على الموت، والبعض على عدم الفرار، ولم يذكر[وا] الموت)، وقال العلماء: (رواية الصبر تجمع المعاني كلَّها، وتُبيِّن مقصودَ كلِّ الروايات، فالبيعة على ألَّا نفرَّ؛ معناه: الصبر حتَّى نظفر بعدونا أو نقتل، وهو معنى البيعة على الموت؛ أي: نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت، لا أنَّ الموت مقصود في نفسه، وكذا البيعة على الجهاد؛ أي: والصبر فيه)، والله أعلم.
          وكان في أوَّل الإسلام يجب على العشرة من المسلمين أن يصبروا لمئةٍ من الكُفَّار، ولا يفرُّوا عنهم، وعلى المئة الصبرُ لألف كافر، ثُمَّ نُسِخ ذلك، وصار الواجبُ مصابرة اثنين فقط، هذا مذهب الشافعيِّ، وابن عبَّاس، ومالك، والجمهور: أنَّ الآية منسوخة، وقال أبو حنيفة وطائفة: ليست بمنسوخة، واختلفوا في أنَّ المعتبَر مجرَّد العدد من غير مراعاة القوَّة والصغر أم يُراعى؟ والجمهور: أن لا يراعى؛ لظاهر القرآن، وأمَّا حديث عبادة: (بايعَنا رسولُ الله صلعم على ألَّا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا...) إلى آخره، وكان ذلك في ليلة العقبة قبل الهجرة من مكَّة، وقبل فرض الجهاد.
          تنبيه: بايع الصَّحابة في الحديبية كلُّهم إلَّا الجَدَّ بن قيس، كما رواه مسلم من حديث جابر _وهو الجدُّ بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عُبيد بن عديِّ بن غنم بن كعب بن سَلِمة الأنصاريُّ السلَميُّ أبو عبد الله ابن عمِّ البراء بن معرور_ فإنَّه اختبأ تحت بطن بعيره، روى عنه جابر وأبو هريرة، وكان يُزنُّ بالنفاق، قيل: إنَّه تاب منه، وحسن إسلامه، توفِّي في خلافة عثمان.
          فائدة: أوَّل من بايع بيعة الرُّضوان أبو سنان الأسديُّ، كذا رُوِيَ عن الشَّعْبيِّ من غير وجه، والصواب: سنان بن أبي سنان، قاله ابن سيِّد الناس، وقال الواقديُّ فيما حكى عنه ابن عبد البَرِّ: (أوَّل من بايع بيعة الرُّضوان سنان هذا)، ثُمَّ قال أبو عمر في ترجمة سنان هذا: (الأكثر والأشهر أنَّ أباه أبا سنان هو أوَّل مَن بايع بيعة الرُّضوان)، انتهى، وقال في أبي سنان: (هو أوَّل من بايع بيعة الرُّضوان تحت الشجرة)، انتهى، واسم أبي سنان: وهب بن محصن أخو عُكاشة ابن مِحْصَن، وتوفِّي أبو سنان سنة خمسٍ، قاله الواقديُّ، وقال غيره: تُوفِّي والنَّبيُّ صلعم مُحاصِرٌ قريظة، ودفن في مقبرة بني قريظة اليوم، كذا ذكر وفاته ابنُ عبد البَرِّ، وكيف يستقيم هذا مع شهوده الحديبية؟! وقد ذكر: أنَّ أوَّل المبايعين يومئذٍ عبدُ الله بن عمر، قال ابن عبد البَرِّ: (ولا يصحُّ)، / وفي «صحيح مسلم» من حديث سلمة ابن الأكوع: أنَّه بايع أوَّل الناس، ثُمَّ بايع، وبايع...، ويُجمَع بين القول بأنَّ أوَّل من بايع سنان بن أبي سنان _على الأكثر_ أو أبوه أبو سنان _كما رجَّحه ابن عبد البَرِّ_ وبين ما في «مسلم»: بأنَّ سلمة بايع في الأوائل من الناس، والله أعلم، أو يقال بالعكس، أو مؤوَّلٌ أحدُ الحديثين بغير ذلك من التأويل، وكلُّهم بايع مرَّة مرَّة إلَّا ما كان من ابن عمر بن الخَطَّاب؛ فإنَّه بايع مرَّتين، كما سيأتي قريبًا في هذا «الصحيح» [خ¦7208] ومضى [خ¦2960]، وإلَّا سلمة ابن الأكوع؛ فإنَّه بايع ثلاثًا كما في «مسلم»، والله أعلم.