التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا وقع الذباب في الإناء

          ░58▒ (بَابُ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الْإِنَاءِ).
          5782- ذكر فيه حديثَ أبي هُرَيْرَةَ ☺: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً).
          هذا الحديثُ سلفَ في بدْءِ الخَلْق [خ¦3320]، وهو يُتأوَّل على وجهَين:
          أحدهما: حملُهُ على ظاهره، وهو أن يكون في أحدِ جناحيه داءٌ وفي الآخر دواءٌ كما قال ◙، فيذهَبُ الدَّاء بغمْسِهِ ويحدُثُ مع الغَمْس دواءُ الدَّاءِ الذي في الجناح الواقع أوَّلًا، وفي أبي داودَ و«صحيحَي ابنِ خُزَيمةَ وابن حبَّان»: ((وَإنَّه يتَّقِي بجناحِهِ الذي فيه الدَّاء)).
          والوجه الثاني: يكون الدَّاء ما يحتاج في نفْسِ الآكل مِن التقزُّز والتقذُّر والنَّكير للطعام إذا وقَعَ فيه الذُّباب، والدَّواءُ الذي في الجناح الآخر رفعُ التقزُّز والنَّكِير بغمسِهِ كلِّه في الطَّعام وقلَّة المبالاة بوقوعه فيهِ لأنَّ الذُّباب لا نفسَ لها سائلةٌ وليس فيه دمٌ يُخشى منه إفساد الطَّعام فلا معنى لتقذُّره، واللهُ أعلمُ بما أرادَه مِن ذلك.
          وفيه أيضًا أنَّه إذا وقع في الماء لا ينجِّسُه، وهو مشهور مذهبنا لا كما أورده ابن التِّين عليه.
          قال الخطَّابيُّ: وقد أنكر هذا مَن لا يُثبِت إلَّا ما أدركَه الحسُّ والمشاهدة، وكيف أنكر هذا صاحب هذه المقالة، والنَّحلةُ جَمَعَ الله في جوفها شفاءً وسمًّا، فَتُعَسِّل مِن أعلاها وتسمُّ مِن أسفلها، وقد يدخل الذُّبَاب في بعض أدوية النَّحْل، وقد يُؤمر مَن عضَّه الكَلْبُ الكَلِبُ بسترِ وجههِ عن الذُّبَاب، فإنَّه إذا وقع عليه أسرعَ في هلاكهِ فهذا يدلُّكَ على اجتماع الدَّاء والشِّفاء معًا.
          فائِدَةٌ: واحد الذُّبَابِ ذُبَابةٌ، ولا تقل: ذِبَّانَة، وجمع القلَّة: أَذِبَّة، والكثير: ذِبَّان كَغُرَابٍ وأَغْرِبةٍ وغِرْبَانٍ.