التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا هامة

          ░45▒ (بَابُ لَا هَامَةَ).
          5757- ذكر فيه حديثَ أبي حَصِيْنٍ وهو بفتح الحاء عُثْمَان بن عاصِمٍ: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) وهو ذَكْوَانُ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺) عبدِ الرَّحْمَن أو عبدِ الله، (عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ).
          هذا الباب أسقطَه ابنُ بطَّالٍ وغيرُه مِن هنا، وكأنَّه لتقدُّمه، ثمَّ ترجم البُخَارِيُّ أيضًا بعده بأبواب بعد قوله: باب الدَّواء بالعَجْوةِ للسِّحر: بابُ لا هَامَةَ، ثُمَّ ساقَ الحديثَ السالف مِن طريق الزُّهْرِيِّ عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هُرَيْرَةَ ☺ مرفوعًا [خ¦5770] كما سلف، ثُمَّ قالَ: وعن أبي سَلَمَةَ سمعَ أبا هُرَيْرةَ بعدُ يقول: قال النَّبِيُّ صلعم: ((لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ))، وأنكر أبو هُرَيْرَةَ الحديثَ الأوَّل، قلنا: ألم تحدِّثْ أنَّه: ((لاَ عَدْوَى))؟ فرَطَنَ بالحبشيَّةِ، قال أبو سَلَمَةَ: فما رأيتُه نَسِي حديثًا غيرَه.
          قلت: ولا أدري ما وجه تكرار الترجمة بعينها، وترجم عليه أيضًا: باب لاَ عَدْوَى، كما ستعلمه، وقد سلف تفسير الحديثِ في باب لا صَفَرَ.
          وزعم بعضُ البِدعيِّين أنَّ قوله: (لاَ عَدْوَى) يعارِضُ قولَه: ((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)) كما يُعَارض ((فِرَّ مِنَ الْمَجْذُوم...)) وقد سلف في باب الجُذَام وغيره وجهُ الجمع.
          قال الطَّبَرِيُّ: وليس في قوله: (لاَ عَدْوَى) خِلافٌ لقوله: ((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ))، ذلك أنَّ قولَه: (لَا عَدْوَى) إعلامٌ منه أن لا يكون لذلك حقيقةٌ، وقوله: ((لَا يُورِدَنَّ)) نهيٌ منه المُمرِض أن يُورِد ماشيتَه المرضى على ماشية أخيه الصَّحيحة لئلا يتوهَّم المصِحُّ إنْ مَرِضت ماشيته الصَّحيحة أنَّ مَرَضَها حدَثَ مِن أجل ورود المرضى عليها فيكون داخلًا بتوهُّمه ذلك في تصحيح ما قد أبطلَهُ الشَّارع مِن أمر العدوى، والممرِضُ: ذو الماشية المريضة، والمصِحُّ: ذو الماشية الصَّحيحة، وقد تأوَّله يحيى بن يحيى الأَنْدَلُسِيُّ تأويلًا آخر، قال: لا يحلُّ مَن أصابه جُذَام محلَّةَ الأصحَّاء فيُؤذِيهم برائحته وإن كان لا يعدو، والأنفسُ تكره ذلك، قال: وكذلك الرجل يكون به المرض لا ينبغي له أن يحلَّ محلَّ الأصحَّاءِ إلَّا أن لا يجد عنها غِنًى فَيَرِد، وقد أسلفنا عنه الكلام في الماء.
          وقوله: فَرَطَنَ بِالحَبَشِيَّةِ، أي تكلَّم بها، والرَّطانة: التكلُّم بالعجميَّة، وقد تَراطَنَا، وقولُه: بالحبشية، بيانٌ لما نطقَ به لأنَّ رَطَنَ تكلَّم بالأعجمية، ولعلَّه أبانَ جِنس الأعجميَّةِ لأنَّه يحتمل أن يتكلَّم بالفارسيَّة أو غيرها من الأعاجم، ورَطَن بفتح الطاء على وزن ضَرَب.
          وقول أبي سَلَمَةَ: فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ، لعلَّه كان سمع هذا الحديث قبل أن يَسمعَ مِن رَسُول اللهِ صلعم: ((مَن يبسُطْ رداءَه ثمَّ ضمَّهُ إِلَيه عندَ فَراغِي مِن مَقَالتي لم ينسَ شيئًا سَمِعَه مِن مقالتي))، وقيل: يريد مِن مقالتي تلك الذي قال اليوم، وقيل: يحتمل أن يكون حديثه الآخر ناسخًا للأوَّلِ فسكتَ عن المنسوخ.