التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الدواء بألبان الإبل

          ░5▒ (بَابُ الدَّوَاءِ بِأَلْبَانِ الْإِبِلِ).
          5685- ذكرَ فيه حديثَ العُرَنيِّين السَّالف في الطَّهارة [خ¦233]، ثم ترجم له:
          ░6▒ (بَابُ الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ الإِبِلِ)، وذكرَه أيضًا.
          وذكرَ الخطيبُ في «الفَصْل للوَصْلِ» أنَّ حُمَيدَ بن أبي حُمَيدٍ الذي أشار البُخَارِيُّ إلى متابعته في كتاب الطهارة، رواه عن أنسٍ مِن غير قولِه: وَأَبْوَالِهَا، فإنَّه رواها عن قَتَادَة عن أنسٍ أي كما هنا. قال: ووقع في بعض الأحاديث الباطلة مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ ☺: أنَّ الله عاتبَهُ لَمَّا قطعَ أيديهم وسَمَل أعينَهم بالنَّار، فأنزل الله: {إنَّما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة:33] الآيات.
          وذكر أبو نُعَيمٍ في «طبِّه» أنَّه صلعم قال: ((عليكم بأبوالِ الإبل البرِّيَّةِ وألبانِها))، وأخذ أصحابنا مِن هذا الحديث التداوي بالنَّجَاسات، وعند مالكٍ أنَّ أبوالَ الإبل طاهرةٌ وكذا كلُّ ما يُؤكل لحمُهُ، قيل له: فأبوال الخيل؟ قال: لا خيرَ فيه، قيل له: تُحلَب فتبولُ في اللَّبن؟ قال أرجو ألا يكون بذلك بأسٌ، والقول الصَّحيح في ذلك قول مَن شَهِدتْ له السُّنَّةُ الثابتةُ.
          فصْلٌ: قوله: (كَانَ بِهِمْ سقَمٌ) هو بضمِّ السين وفتحِها، مثل حُزن وحَزَن، ومعنى (يَكْدِمُ الأَرْضَ بِلِسَانِهِ): يَلعَقُها مِن شِدَّة العطش وألمِ الجراح، يُقال: كَدَمَ يَكْدِمُ إذا عضَّ بأدنى الفم.
          وقوله: (فَقَالَ سَلَّامٌ) يَعني ابنَ مِسْكينٍ ((فَبَلَغَنَي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِأَنَسٍ: حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَ فِيْهَا النَّبِيُّ صلعم، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا، فَبَلَغَ الحَسَنَ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّه لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا)) يريد لئلَّا يجترئَ / الحجَّاج ويزيدَ في العقوبة ويحتجَّ بذلك على ما يحبُّ فِعْلَه.
          ومعنى (اجْتَوَوْا المَدِينَةَ): كرِهوها واسْتَوخمُوها واسْتَوبلُوها لمرضٍ أصابَهم فيها، وقد جاء مُفسَّرًا، قال الجَوْهَرِيُّ: اجتَوَيْتَ البِلدةَ إذا كَرِهتَها وإن كنتَ في نِعمةٍ، وفرَّق بعضَهم بين (اجْتَوَوْا) واستوخموا، فجعل (اجْتَوَوْا): كرهوا الموضع وإن وَافَقَ، واسْتَوبَلوا: إذا لم يوافقه وإن أحبَّه، يُقال: وَبُل الموضعُ _بالضمِّ_ وَبْلا ووَبَالًا فهو وَبيلٌ، أي وَخِيمٌ، و(صَلَحَتْ) بفتح اللام، قال الجَوْهَرِيُّ: صَلَحَ الشيء يَصْلُح صُلُوحًا، وحكى الفرَّاء الضمَّ.
          وقوله: (وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ) هو بالتخفيف، أي كحَّلها بالمسامير المُحَمَّاة، يُقال: سَمَّرْتُ الشيءَ تَسْمِيرًا وَسَمَرْت أيضًا، ويروى: وَسَمَلَ، باللام أي فَقَأَها بالشَّوك، وقيل بالحديدة المُحَمَّاة تُدنى مِن العين حتَّى يذهبَ بصرُها.
          فصْلٌ: قوله: (قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيْرينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الحُدُودُ) يريد حدَّ المُحارِبِ، والذي فعلَهُ الشارع بهم كان الحدَّ ثم نُسخ بالقرآن، وقيل: إنَّهم فعلوا بالراعي مِثلَ ذلك فعُوقبوا بمثل ما أَتَوه، وقد سلف إيضاحُ ذلك أجمع في الطَّهارة وأعدناه لبُعْدِهِ.