التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا صفر

          ░25▒ (بَابُ لَا صَفَرَ وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ).
          5717- ذكر فيه حديثَ ابن شِهَابٍ قَالَ: (أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا بَالُ إِبِلِي تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَأْتِي الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ: فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟.
          ورَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ).
          الشَّرح: سلف الكلام على هذا الحديث، والهَامَةُ هاهنا: طائرٌ كانوا يتشاءمون به، وهو مِن طيرِ اللَّيل، وقيل: البومةُ كما سلف، وصوَّبَ الطَّبَرِيُّ أنَّه ذَكَرُ البومِ، وقيل: كانت العرب تزعُمُ أنَّ رُوحَ القتيلِ الذي لا يُدرَك بثأره تصير هَامَةً فتقول: اسقُوني اسقُوني، فإذا أدرك بثأرهِ طَارَت، وقيل: كانوا يزعُمُون / أنَّ عِظَامَ الميِّت _وقيل: رُوحُه_ تصيرُ هامَةً فتطير، ويسمُّونه الصَّدَى، فتُرفْرِفُ عندَ قبره حتَّى تثأر به، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه.
          قال الطَّبَرِيُّ: ذكر أبو عُبَيْدةَ قال: سمعتُ يُونُس الجَرْميَّ يسألُ رُؤبةَ بن العَجَّاجِ عن الصَّفَر، فقال: هي حيَّةٌ تكون في البطن تُصِيب الماشيةَ والنَّاس، وهي أعدى مِن الجربِ عند العرب، ويُقال: إنَّ قولَه: (لَا صَفَرَ) إبطالُ ما كان أهلُ الجاهليَّة يفعلونَه مِن تأخير المحرَّم إلى صَفَرَ في التَّحريم، وقد رُوي عن مالكٍ مثل هذا القول، وصوَّب الطَّبَرِيُّ الأوَّل. وقال ابن وَهْبٍ: كان أهلُ الجاهليَّة يقولون: إنَّ الصُّفَارَ التي في الجوف تقتلُ صاحبَها، فردَّ ذلك رَسُول اللهِ صلعم وقال: ((لَا يَموتُ أحدٌ إلَّا بأجلهِ))، وقد فسَّر جابرُ بن عبد الله مثلَه، وهو راوي الحديث عن رَسُول اللهِ صلعم.
          قال ابن قُتَيْبَة: والعدوى جنسانِ: عَدْوى الجُذَام والطَّاعُون؛ فأمَّا الأوَّل فإنَّ المَجْذُومَ تشتدُّ رائحتُه حتَّى تُسقِم مَن أطالَ مجلسَهُ معه ومؤاكلتَه، وربَّما جذمت امرأته بطولِ مُضاجعتها معه، وربَّما نزع أولاده في الكثير إليه، وكذا مَن كان به سِلٌّ، والأطبَّاءُ يأمرون ألَّا يُجالس المَسلُول ولا المَجْذُوم، لا يريدون بذلك معنى العدوى، وإنَّما يريدون بذلك تغيُّرَ الرائحة، وأنَّها تُسقم مَن أطال اشتمَامها، والأطبَّاءُ أبعدُ النَّاس مِن الإيمان بيُمنٍ أو شُؤمٍ.
          وكذلك الجَرَبُ الرَّطْب يكون بالبعير إذا خالطَ الإبلَ وحاكَها وأَوَى في مَبارِكِها وصلَ إليها بالماء الذي يَسِيل منه نحوًا ممَّا به، فلهذا المعنى نهى الشارعُ ألَّا يوردَ مُمرِضٌ على مُصِحٍّ كراهةَ أن يخالِطَ ذو العاهة الصَّحيحَ فينالُه مِن حكَّته ودائِه نحو ما به، وقد ذهب قومٌ إلى أنَّه أراد بذلك ألَّا يظنَّ أنَّ الذي نال إبلَهُ مِن ذي العاهة فيأثمَ.
          والطَّاعُونُ يأتي الكلام فيه.
          فصْلٌ: (الظِّبَاءُ) بالمدِّ جمع ظبيٍ في الكثرة، وكذلك ظُبِيٌّ كثُدِيٌّ وهو على فُعولٍ، وفي القلَّة: أظْبٍ: كـدَلْوٍ على زِنَةِ أفعلَ، أصله: أَظْبي.