التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المن شفاء للعين

          ░20▒ (بَابٌ: الْمَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ).
          5708- ذكر فيه حديثَ غُنْدَرٍ، عن شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عن عَمْرو بْنَ حُرَيْثٍ: عن سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ.
          قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنِ الحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عن عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم. قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ الْمَلِكِ).
          هذا الحديثُ تقدَّم في التفسير [خ¦4478]، وذكر الطَّبَرِيُّ عن مُحَمَّد بن المُنْكَدِرِ عن جابرِ بن عبد الله ☻ قال: كَثُرتِ الكَمْأَةُ على عهد رَسُولِ اللهِ صلعم، فامتنعَ أقوامٌ مِن أكلها وقالوا: هي جُدَرِيُّ الأرض، فَبَلَغ ذلك رَسُولَ اللهِ صلعم فقال: ((إنَّ الكَمْأَةَ لَيْسَتْ مِن جُدَرِيِّ الأرضِ، إلَّا أنَّ الكَمْأَةَ مِن المنِّ...)) الحديث، والكَمْأَةُ معروفةٌ كما أنَّ المَنَّ معروفٌ، كلُّ واحدٍ منهما غيرُ نوعِ صاحبهِ، والكَمْأَةُ وإن لم تكن مِن نوع المنِّ فإنَّه يجمعها في المعنى أنَّهما ممَّا يُحدِثه الله رِزقًا لعباده مِن غير أصَلٍ ومِن غير صُنعٍ منهم ولا عِلاجٍ؛ إذ كانت جميع أقوات العباد لا سبيلَ إليها إلَّا بأصلٍ عندهم وغرسٍ، وليس كذلك الكَمْأة والمنُّ.
          وقد سلف أنَّ الكمأةَ جمعٌ واحدُها: كَمْءٌ على غير قياسٍ، وهو مِن النَّوادر لأنَّ الأكثرَ على أنَّ حذفَ الهاء علامةٌ للجمع مثل: تَمْرة وتَمْر، وهذا بعكس ذلك ثبتت الهاء في جمعه وسقَطَت مِن مُفرده، وهو البرقاس.
          ولم يُرِد أنَّها من المنِّ الذي أنزل الله على بني إسرائيلَ؛ فإنَّ ذلك كان شيءُ يسقط كالتَّرَنْجَبينِ عليهم، وإنَّما أراد به شيئًا ينبتُ بنفسهِ مِن غير تكليفٍ ولا زرعٍ، وإنَّما نالت الكَمْأة هذا أنَّها حلالٌ لا شُبهةَ في اكتسابِه.
          وقوله: (وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) يريد أنَّه يربى به الكُحل والتُّوتيَاء ونحوهما مما يُكتحَل به فيُنتفعُ بذلك، وليس بأن يُكتَحَلَ به وحده، فذلك يُؤذِي العينَ ويُقذيها، وقيل: أراد العينَ التي هي النَّظرة للشيءِ يُتعجَّبُ منه، ودليل ذلك قوله في روايةٍ أُخرى: ((شِفاءٌ مِن العين))، / وقيل: يريد مِن داء العين، فحذف المضاف، مثل: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ} [يُوسُف:82].