التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الرقى بفاتحة الكتاب

          ░33▒ (بَابُ الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
          وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم).
          5736- ثُمَّ ساق بإسناده حديثَ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ السالف في الإجارة [خ¦2276]، ذكرَه هنا مِن حديثِ غُنْدَرٍ، عن شُعْبَةَ، عن أبي بِشْرٍ، عن أبي المتوكِّلِ عنه، وإليه الإشارة بقوله هناك: وقال شُعْبَةُ: حدَّثنا أبو بِشْرٍ، سمعتُ أبا المتوكِّلِ بهذا. وكان ساقه أوَّلًا مِن حديثِ أبي عَوَانةَ، عن أبي بِشْرٍ به.
          وأَبُو بِشْرٍ اسمُه جَعْفرٌ، وأبو المتوكِّل النَّاجِيُّ عليُّ بن داودَ، والنَّاجيُّ أيضًا أبو الصِّدِّيق بكر بن عَمْرٍو، ويُقال: ابن قيسٍ، جميعًا يرويان عن أبي سَعِيدٍ سَعْدِ بن مالكٍ، مُتَّفقٌ عليهما.
          وحديث ابن عبَّاسٍ كذا ذكره بلفظ (يُذْكَرُ) وهو صيغةُ تمريضٍ، وقد ساقَه بعدُ في باب الشَّرْط في الرُّقية كما ستعلمه، وهو رادٌّ على مَن يقول: إنَّ مثلَ هذه صيغةُ تمريضٍ، فهذا ممَّا ذكره بصيغة التمريضٍ وهو عنده بسنَدٍ صحيحٍ، وقد سبق نظيرُه في الصَّلاة مِن حديثِ أبي مُوسَى.
          أمَّا فِقهُ الباب فهو ظاهرٌ في جواز الرُّقى بالفاتحة، ويردُّ به ما روى شُعْبَة عن الرُّكَينِ قال: سمعتُ القاسِمِ بن حسَّانَ يحدِّثُ عبدَ الرَّحْمَن بن حَرْملَةَ عن ابن مَسْعُودٍ: أنَّه ◙ كان يكره الرُّقَى إلَّا بالمُعَوِّذَات. وهو حديثٌ لا يجوز الاحتجاج بمثله كما نبَّه عليه الطَّبَرِيُّ؛ إذ فيه مَن لا يُعرَف، ثمَّ لو صحَّ لكان إِمَّا غلطًا أو منسوخًا بقوله ◙ فيه: ((مَا أَدرَاكَ أنَّها رُقيَةٌ؟))، فأثبت أنَّها رُقْيَةٌ بقوله هذا، وقال: ((اضرِبُوا لي معكم بسهْمٍ))، قيل: أراد التبرُّكَ به، وكذا في شَحْم العَنْبَرِ، وإذا جازت الرُّقْيَة بالمُعَوِّذَتين _وهما سُورتان مِن القرآن_ كانت الرُّقْيَة بسائر القرآن مثلهما في الجواز؛ إذ كلُّه قرآنٌ.
          وقال المُهَلَّب: في {الْحَمْدُ لِلَّهِ} مِن معنى الرُّقَى شبيهٌ بمعنى ما في المُعَوِّذَاتِ منه، وهو قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] والاستعانة به تعالى في ذلك دُعاءٌ في كشفِ الضرِّ وسؤالِ الفَرَج، وقد سلف هذا المعنى في الإجارة.
          فائِدَةٌ: / قوله: (فَلَمْ يَقْرُوهُمْ) هو ثُلَاثيٌّ، قَرَيتُ الضَّيْفَ أَكْرَمْتُهُ، قِرًى، مثل: قَلَيْتُهُ قِلًى وقَلَاءً، وقَرَاءً أيضًا، إذا كَسَرْتَ قصَرْتَ، وإذا فتَحْتَ مَدَدْتَ.
          والقَطِيعُ الطَّائِفةُ مِن الغَنَمِ، كما قاله ابن فارسٍ، وقال الجَوْهَرِيُّ: هي الطَّائفة مِن البقر والغنم، والجمعُ أَقَاطِيع على غير قياسٍ، كأنَّهم جمعوا إقطيعًا، وقد قالوا: أقطاعٌ، مثل: شَرِيفٍ وأَشْرَافٍ.
          وقوله: (مِنَ الشَّاءِ) هو جمع الكثرة للشَّاة، وأصل: الشَّاة شَاهَة لأنَّ جمعَها: شِيَاه، فتصغيرُها: شُوَيْهَة، وجمعُها: شِيَاهٌ بالهاء في العددِ، تقول: ثلاثُ شِيَاهٍ إلى العشر، فإذا جاوزتَ فبالتاء، فإذا كثَّرتَ قلتَ: هذه شاءٌ كثيرةٌ، وهو ممدودُ شوى لأنَّ أصل شاةٍ شِيَاه، فأبدلوا الهاء همزة كما أبدلوها في ماء.
          البُصَاقُ بالصاد والسين، كِصَراط وصَقَر، و(يَتْفُلُ) بضمِّ الفاء وكسرِها، وهو شبيهٌ بالبُزَاق، وهو أقلُّ منه، أوَّلُهُ البَصْقُ ثمَّ التَّفلُ ثمَّ النَّفْثُ ثمَّ النَّفْخُ، ذكرَه في «الصِّحاح».
          وقوله في الباب بعدَه: (لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ) مِن باب التفاؤل، كقوله للقَفْر: مَفَازةٌ، وقيل: سَلِيمٌ لِمَا به. ذكره في «الصِّحاح» والخطَّابيُّ.