التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يذكر في سم النبي صلعم

          ░55▒ (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي سُمِّ النَّبِيِّ صلعم.
          رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ ♦ عَنِ النَّبِيِّ صلعم).
          5777- ثُمَّ ساق حديثَ أبي هُرَيْرَةَ ☺: (لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ...) الحديث بطوله، سلف في المغازي [خ¦3169].
          قال ابن بطَّالٍ: ولا أعلمُ خِلافًا فيمَن سَمَّ طعامًا أو شرابًا لرجلٍ فلم يَمُت به أنَّه لا قِصَاص فيه ولا حدَّ، وفيه العقوبةُ الشَّديدةُ والأدب البالغ قَدْرَ ما يراه الإمام في ذلك.
          فإن قلتَ: كيف وجَبَ فيه العقوبة والشارع لم يُعَاقب مَن وضعَ له فيه السمَّ فيها؟ قلتُ: كان ◙ لا ينتقِمُ لنفسه ما لم تُنتَهَك حُرُمَات الله، وكان يصبر على أذى المنافقين واليَهُود، وقد سَحَرَه لَبِيدُ بن الأَعْصمِ وناله مِن ضَرَر السِّحر ما لم ينلهُ مِن ضَرَرِ السُّمِّ في الشاة، ولم يُعَاقِب الذي سَحَرَه لأنَّ الله تعالى كان قد ضَمِنَ لنبيِّهِ أنَّه لا يناله مكروهٌ، وأن لا يموتَ حتَّى يبلِّغَ دِينَه، ويَصْدَع بتأدية شريعته، وكان معصومًا مِن ضَرَرِ الأعداء، قال تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]، وغيرُه مِن النَّاس بِخِلاف ذلك، فهذا الفرق بينه وبين غيره.
          واختُلف فيمن سَمَّ طعامًا أو شرابًا لرجلٍ فمات منه، فذكر ابنُ المنذر عن الكوفيِّين: إذا سقاه سمًّا أو جرَّبَه به فقتلَهُ فلا قِصَاص عليه وعلى عاقلتِهِ الدِّيَة، وقالَ مالكٌ: إذا استكرهَهُ فَسَقاه سمًّا فقتلَهُ فعليه القَوَدُ. قال الكوفيُّون: ولو أعطاه إيَّاهُ فَشَرِبه هو لم يكن عليه فيه شيءٌ ولا على عَاقلتهِ مِن قِبَل أنَّه هو شربَه، وقال الشَّافِعِيُّ: إذا جعل السُّمَّ في طعام رجلٍ أو شرابه فأطعمَهُ أو سَقَاهُ غير مُكرِهٍ له، ففيه قولان، أحدهما: أنَّ عليه القَوَدُ، وهو أشبههما، وثانيهما: ألَّا قَوَدَ عليه وهو آثمٌ، لأنَّ الآخر شَرِبَهُ، وإن خلَطَهُ فوضَعَه فأكَلَه الرجل فلا عَقْلَ ولا قودَ ولا كفَّارةَ، وقيل: يَضْمنُ.
          فصْلٌ: وفي حديث أبي هُرَيْرَةَ ☺ الدَّليلُ الواضح على صِحَّة نُبوَّة نبيِّنا عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام مِن وجوهٍ، منها: إخبارُه عن الغيب الذي لا يَعلمُه إلَّا مَن أعلمَهُ اللهُ بذلك، وذلك معرفته بأبيهم، وبالسُّمِّ الذي وضعُوهُ له في الشَّاةِ، ومنها تصديقُ اليَهُود له حين أخبرَهم بأبيهم، ومنها قول اليَهُود له: (إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ)، فرأوا أنَّه لم يقتله السُّمُّ وتمادوا في غَيِّهم ولم يؤمنوا لِمَا رأوا مِن بُرهانه في السُّمِّ / وفي إخباره عن الغَيب، وهذا الحديث يشهدُ بمباهتَةِ اليَهُود وعِنَادهم للحقِّ كما قال عبد الله بن سَلَامٍ: اليَهُود قومٌ بُهُتٌ.
          فصْلٌ: قوله: (هَلْ أَنْتُمْ صَادِقُونِي) كذا في الأصول، وفي بعضِها: <صَادِقِيَّ>، وذكرَه ابنُ التِّين باللفظ الأوَّل وقال: صوابه في العربيَّةِ الثاني، أصلُه: صادقوني؛ لأن النُّون تُحذف للإضافة فيجتمعُ حرفا علَّةٍ سُبق الأوَّل منهما بالسكون فقُلبت الواو ياءً وأُدغمت في الياء، مثل قوله تعالى:{وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيمَ:32]، وقوله ◙ لِوَرَقَةَ بن نَوْفَلٍ: ((أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ)).
          فصْلٌ: قولهم: (صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ) هو بكسر الراء الأولى، قلتُ: وحُكي فتحها.
          فصْلٌ: وقولهم: (نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا) أي تدخلون مكاننا، ومنه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [مريم:59].
          فصْلٌ: ذكر هنا أنَّه ◙ عَلِم بالسُّمِّ ولم يذكر أنَّه عَلِم به قبلَ الأكل أو بعدَهُ، وفي روايةٍ أخرى: أهدتِ امرأةٌ شاةً مَسْمُومةً، فأكَلَ منها هو وبعضُ أصحابه فماتَ بعضُهم مِن ذلك السُّمِّ وأمسكَ اللهُ نفْسَ نبيِّهِ... إلى أن قال: ((مَا زَالَتَ أُكْلَةُ خَيْبرَ تُعَاهِدُنِي، فهذا أَوَانُ انْقِطَاع أَبْهَرِي))، ويحتمل أن يكون الذين سألهم أهلُ المرأة أو غيرهم، ويحتمل أن يكون في بعض الرِّوايتين وَهَمٌ.