التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب النفث في الرقية

          ░39▒ (بَابُ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ).
          ذكر فيه أحاديثَ:
          5747- أحدها: حديث أَبَي قَتَادَة الحارثِ بن رِبْعِيٍّ: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: الرُّؤْيَا مِنَ الله، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَإِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إلَّا أن سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا)، وسيأتي في كتاب التعبير.
          5748- ثانيها: حديث عائِشَةَ ♦: كَانَ ◙ (إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ...) الحديث.
          وقد سلف في باب المغازي [خ¦4439]، وفي باب الرُّقَى بالقرآن [خ¦5735]، وفي آخره: (قَالَ يُونُسُ: كُنْتُ أَرَى ابْنَ شِهَابٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ إِذَا أَتَى عَلَى فِرَاشِهِ).
          وترجم له فيما سيأتي: باب المرأة تَرْقِي الرجل [خ¦5751].
          5749- ثالثها: حديث أبي سَعِيدٍ في الرُّقَى بالفاتحةِ، وقد سلف قريبًا [خ¦5736]، أخرجه هنا مِن حديثِ أبي عَوَانةَ الوضَّاحِ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) وهو جعفرٌ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ)، وسلف قريبًا اسمُه، عنه.
          وقوله فيه: (فَانْطَلَقَ يَمْشِي مَا بِهِ قَلَبَةٌ) هو بفتح اللام، أي ألمٌ وعلَّةٌ، وأصلُه مِن القُلاب _بضمِّ القاف_ وهو داءٌ يأخذ البعيرَ فيشتكي منه قلبُهُ فيموتُ مِن يومهِ، وقيل: معناه ما به داءٌ يقلبُ له.
          وفي هذه الأحاديث البيانُ أنَّ التَّفْلَ على العليل إذا رُقي أو دُعي له بالشِّفاء جائزٌ، والردُّ على مَن لم يُجزْ ذلك، وبه قالَ جماعةٌ مِن الصَّحابة وغيرهم، وأنكر قومٌ مِن أهل العِلْم النَّفْثَ والتَّفْلَ في الرُّقَى، وأجازوا النَّفْخ فيها كما أسلفناه عنهم في باب الرُّقَى، وما فعله الشارع هو المُتَّبَعُ، وقد روت عائِشَةُ ♦ عن رَسُول اللهِ صلعم: أنَّ رِيْقَ ابنِ آدم شِفَاءٌ، قالت: كان إذا اشتكى الإنسان قال ◙ بريقِهِ هكذا في الأرض، وقال: (تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيْقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمِنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا).
          فصْلٌ: وقوله: (فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ) قال صاحب «الأفعال»: يُقال: أَنْشَطْتُ العُقْدَةَ حَلَلْتُها، ونَشَطْتُها: عَقَدْتُها بأُنْشُوطةٍ، وهي حَدِيدةٌ يُعقَد بها. قلتُ: فعلى هذا صوابُه: أُنشِطَ، كما نبَّه عليه ابن التِّين أيضًا، ثمَّ نقل ما ذكرناه عن الجَوْهَرِيِّ وابن فارسٍ و«الغريبَين»، وذكره الجَوْهَرِيُّ بلفظ: أُنشِطَ، وكذا الهَرَوِيُّ.
          وقوله في أوَّله: (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ) قال ابنُ التِّين: ضُبِط في بعض الكتب بفتح الياء ثلاثِيٌّ، وليس هو في اللُّغة كذلك، يُقال: أَضَفْتُ الرَّجُلَ وضيَّفتُه: إذا أنزلتُهُ ضيفًا، ومنه قوله تعالى: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:77]، وضِفْتُ الرجلَ ضِيَافةً: إذا نَزَلَت عليه ضيفًا، وكذلك تضيَّفتُه.
          فصْلٌ: و(الرَّهْطُ) ما دون العشرة من الرِّجَال لا يكون فيهم امرأةٌ، وليس له واحدٌ مِن لفظه، مثل: ذَوْدٍ، والجمعُ: أَرْهُط وأَرْهَاط.
          فصْلٌ: قوله: (فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا) كذا هنا، وقال قريبًا [خ¦5736]: فقالوا: لَا نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ... ولا تخالُفَ بينهما، فقد يقولون ذلك ثمَّ يقوله هو، أو في أحدِهما وَهَمٌ، قاله ابن التِّين.
          فصْلٌ: فيه هِبَةُ المشَاعِ لقوله: (اضْرِبُوا لِي مَعَكَمْ بِسَهْمٍ).
          فصْلٌ: قوله في الحديث الأوَّل: (الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ) يريد الرُّؤْيَا الصَّالحة التي لا تخليطَ فيها مِن الشَّيطان ولا أمور فاحشة، و(الحُلُـْمُ) بضمِّ الحاء واللام وبسكونها أيضًا: ما يراه النائمُ، تقول منه: حلم بالفتح واحتلم، والحِلم بالكسر: الصَّفْح، والحَلَم: أن يفسُدَ الإهابَ في العملِ، وهذا مِن الشَّيطان يهوِّل ويخلِّط ليَحْزُنَ الذين آمنوا وليس بضارِّهم شيئًا إلَّا بإذن الله.
          وقوله: (فَمَا أُبَالِيهَا) أي فما أكترِثُ عليها.
          وقوله: (فَلْيَنْفِثْ) أي عن يساره ثلاثًا كما جاء في موضعٍ آخَرَ.