شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ}

          ░55▒ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي. لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج:21-22]
          {وَالطُّورِ. وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(1)}[الطور:1-2]قَالَ قَتَادَةُ: {يَسْطُرُونَ}[القلم:1]يَخُطُّونَ مكتوبٌ {في أُمِّ الْكِتَابِ}[الزخرف:4]جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ {مَا يَلْفِظُ}[ق:18]مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شيء إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ.
          وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، {يُحَرِّفُونَ}[النساء:46]يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللهِ تعالى وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، دِرَاسَتُهُمْ: تِلاوَتُهُمْ، {وَاعِيَةٌ}[الحاقة:12]حَافِظَةٌ {تَعِيَهَا}[الحاقة:12]تَحْفَظُهَا، {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ}[الأنعام:19]يعني أَهْلَ مَكَّةَ، {وَمَنْ بَلَغَ} هَذَا الْقُرْآنُ، فَهُوَ لَهُ نَذِيرٌ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: لَمَّا قَضَى اللهُ تعالى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ كتابًا: غَلَبَتْ، أَوْ قَالَ: سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي، وَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ.
          وَقَالَ مَرَّةً / عن النَّبيِّ صلعم: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، وَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ)). [خ¦7553]
          قال أهل التَّفسير: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ}[البروج:21]أي كريم على الله تعالى {فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}[البروج:22]وهو أمُّ الكتاب عند الله تعالى.
          وقرأ نافع: {مَحْفُوظٌ} بالرَّفع مِن نعت {قُرْآنٌ} المعنى: بل هو قرآن مجيد محفوظ(2) في لوح، وقرأه غيرُه: {مَحْفُوظٍ} بالخفض مِن نعت اللَّوح، واختلف أهل التَّأويل في قولِه تعالى: {وَالطُّورِ. وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ}[الطور:1-3]قال الحسن: هو القرآن في أيدي السَّفرة. وقال الزَّجَّاج: الكتاب هاهنا ما أثبت على(3) بني آدم مِن أعمالهم.
          قال المُهَلَّب: وما ذكرَه النَّبيُّ صلعم مِن سبق رحمة الله تعالى لغضبِه فهو ظاهر لأنَّ مَن غَضب الله عليه مِن خلقِه لم يخيِّبه في الدنيا مِن رحمتِه ورأفتِه بأن رزقَه ونعَّمَه وخوَّلَه مدة عمرِه أو وقتًا مِن دهرِه، ومكَّنَه مِن آمالِه وملاذِه، وهو لا يستحق بكفرِه ومعاندتِه لربِّه(4) غير أليم العذاب، فكيف رحمتُه بمَن آمن به واعترف بذنوبِه ورجا غفرانَه ودعاه تضرُّعًا وخُفية.
          وقد قال بعض المتكلِّمين: إنَّ رحمتَه تعالى لم تنقطع عن أهل النَّار المخلَّدين الكفَّار، إذ مِن قدرتِه أن يخلق لهم ╡ عذابًا يكون عذاب النَّار لأهلِها رحمة وتخفيفًا بالإضافة إلى ذلك العذاب.


[1] زاد في (ص): ((فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ)).
[2] قوله: ((محفوظ)) زيادة من (ص).
[3] قوله: ((على)) زيادة من (ص).
[4] قوله: ((لربه)) ليس في (ص).