شرح الجامع الصحيح لابن بطال

قول الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}

          ░16▒ بَابُ قَولِه تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:88]
          فيه: جَابِرٌ: (لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبيِّ صلعم: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}[الأنعام:65]، قَالَ النَّبيُّ صلعم(1): أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فَقَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، قَالَ النَّبيُّ صلعم: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، قَالَ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}، قَالَ النَّبيُّ صلعم: هَذَا أَيْسَرُ). [خ¦7406]
          استدلالُه مِن هذه الآية والحديث على أنَّ لله تعالى وجهًا هو صفة ذاتِه لا يقال: هو هو، ولا هو غيرُه، بخلاف قول المعتزلة، ومحال أن يقال: هو جارحة كالَّذي نعلمُه مِن الوجوه، كما لا يقال: هو تعالى فاعل وحيٌّ وعالم كالفاعلين والأحياء والعلماء الَّذين نشاهدُهم، وإذا استحال قياسُه تعالى على المشاهَدَين والحكمُ(2) له بحكمِهم _مع مشاركتِهم له في التَّسمية_ كذلك يستحيل الحكم لوجهه تعالى الَّذي هو صفة ذاتِه بحكم الوجوه الَّتي نشاهدُها، وإنَّما لم يَجُزْ أن يقال: إنَّ وجهَه جارحة لاستحالة وصفِه تعالى بالجوارح لما فيها مِن أثر الصَّنعة، ولم يقل في وجهِه أنَّه هو لاستحالة كونِه تعالى وجهًا، وقد أجمعت الأمَّة على أنَّه لا يقال: يا وجه اغفر لي، ولم يجز أن يكون وجهُه غيرَه، لاستحالة مفارقتِه له بزمان أو مكان أو عدم أو وجود، فثبت أن له وجهًا لا كالوجوه لأنَّه ليس كمثله شيء.


[1] في المطبوع: ((قال ◙)).
[2] في المطبوع:((فالحكم)).