شرح الجامع الصحيح لابن بطال

{هو الله الخالق البارئ المصور}

          ░18▒ بَابُ قَولِه تَعَالَى: {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}[الحشر:24]
          فيه: أَبُو سَعِيد: (أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ، وَلَا يَحْمِلْنَ، فَسَأَلُوا النَّبيَّ صلعم عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). [خ¦7409]
          وَقَالَ أَبُو سَعِيد مرَّةً عن النَّبيِّ صلعم: (لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خَالِقُهَا).
          الكلام في معنى قولِه تعالى: {الْخَالِقُ} مِن وجهين: أحدُهما: أن يكون بمعنى المبدع والمنشىء لأعيان المخلوقات، وهذا معنًى لا يشاركُه فيه أحد مِن خلقِه، ولم يزل الله مُسَمِّيًا لنفسِه خالقًا ورازقًا على معنى أنَّه سيخلق ويرزق(1)، لا على معنى أنَّه خلق الخلق في أزلِه لاستحالة قدم الخلق. والثَّاني: أن يكون الخلق بمعنى التَّصوير، وهذا أمر يصحُّ مشاركة الخلق فيه له، فالخلق المذكور في هذا الباب بمعنى الإبداع والاختراع لأعيان السَّموات والأرض، والخلق بمعنى التَّصوير في قولِه تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}[المائدة:110]، أي تُصَوِّرُ، لا: تَخْتَرِعُ، ومنه قول الشَّاعر:
وَلَأَنْتَ تَفْرِيْ مَا خَلَقْتَ                     وَبَعْضُ القَومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي


[1] في المطبوع:((وسيرزق)).