شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ذكر النبي وروايته عن ربه

          ░50▒ بَابُ ذِكْرِ النَّبيِّ صلعم وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ ╡
          فيه: أَنَسٌ، عَنِ النَّبيِّ صلعم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ ╡، قَالَ: (إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شبرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا) الحديث. [خ¦7536]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبي يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكم جلَّ ثناؤُهُ، قَالَ: (لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ، وَالصَّوْمُ لِي) الحديث. [خ¦7537]
          وفيه: ابنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ صلعم فِيمَا يَروى عَنْ رَبِّهِ ╡، قَالَ: (لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بنِ مَتَّى). [خ¦7539]
          وفيه: ابنُ مُغَفَّل: (رَأَيْتُ النَّبيَّ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ، قَالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا، ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ، وَقَالَ: لَوْلا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابنُ مُغَفَّلٍ، يَحْكِي عَنَ(1) النَّبيِّ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: أا أا أا ثَلاثَ مَرَّاتٍ). [خ¦7540]
          قال المُهَلَّب: معنى هذا الباب أنَّ النَّبيَّ صلعم روى عن ربِّه ╡ السُّنَّة كما روى عنه القرآن، وهذا مبيَّن في كتاب الله ╡ في قولِه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:3-4]ومعنى حديث ابن مُغَفَّل في هذا الباب التَّنبيه على أنَّ القرآن أيضًا رواية للنَّبيِّ صلعم عن ربِّه ╡. وفيه مِن الفقه إجازة قراءة القرآن بالتَّرجيع، والألحان المُلِذَّة للقلوب بحسن الصَّوت المنشود لا المكفوف عن مداه الخارج عن مساق المحادثة، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم أراد أن يبالغ في تزيين قراءتِه لسورة الفتح الذي(2) كان وعدَه الله تعالى فيها بفتح مكَّة، فأنجزه له ليستميل قلوب المشركين العتاة على الله، بفهم ما يتلوه مِن إنجاز وعد الله تعالى له فيهم، بإلذاذ أسماعِهم بحسن الصَّوت المرجَّع فيه بنغم ثلاث في المَدَّة الفارغة مِن التَّفصيل.
          وقول معاوية: (لَولَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ إِلَيَّ، لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابنُ مُغَفَّل، يَحْكِي عَنِ النَّبيِّ صلعم) يدل أنَّ القراءة بالتَّرجيع والألحان تجمع نفوس النَّاس إلى الإصغاء والتَّفهُّم، ويستميلُها ذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع التَّرجيع المشوب بلذة الحكمة المفهومة منه، وقد تقدَّم في كتاب فضائل القرآن، في باب مَن لم يتغنَّ بالقرآن اختلاف أهل العلم في قراءة القرآن بالالحان والتَّغنِّي به فأغنى عن إعادتِه(3).


[1] قوله: ((عن)) ليس في (ز) وأثبتناه من المطبوع. نسخ أخرى
[2] في المطبوع: ((التي)). نسخ أخرى
[3] في المطبوع: ((اختلاف أهل العلم في التغني)).