شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن}

          ░42▒ بَابُ قَوْله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ}[الرحمن:29]وَ {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء:2]وَقَوْلِهِ تعالى: {لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق:1]وَأَنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:11]. وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم: (إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاةِ).
          فيه: ابنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللهِ، تَقْرَؤُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ. [خ¦7522]
          وَقَالَ مَرَّةً: كِتَابُكُمِ الَّذي أَنْزَلَ اللهُ على نَبِيِّكُمْ أَحْدَثُ الأخْبَارِ بِاللهِ. [خ¦7523]
          غرضُه في هذا الباب الفرق بين وصف كلام الله تعالى بأنَّه مخلوق وبين وصفِه بأنَّه مُحْدَثٌ، فأحال وصفَه بالخلق وأجاز وصفَه بالحدث اعتمادًا على قولِه تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء:2].
          وهذا القول لبعض المعتزلة ولبعض أهل الظَّاهر، وهو خطأ مِن(1) القول لأنَّ الذِّكر الموصوف في الآية بالإحداث ليس هو نفس كلامِه تعالى؛ لقيام الدَّليل على أنَّ مُحْدَثًا ومَخْلُوقًا ومُنْشَأً ومُخْتَرَعًا ألفاظٌ مترادفة على معنى واحد. فإذا لم يجز وصف كلامِه تعالى القائم بذاتِه أنَّه(2) مخلوق لم يجز وصفه بأنَّه مُحْدَثٌ، وإذا كان ذلك كذلك كان الذِّكر الموصوف في الآية بأنَّه محدث راجعًا إلى أنَّه الرَّسول ╕ لأنَّه قد سمَّاه الله تعالى في آية أخرى ذكرًا، فقال تعالى: {قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا. رَّسُولًا}[الطلاق:10-11]، فسمَّاه ذكرًا في هذه الآية، فيكون المعنى {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ}، أي ما يأتيهم ذكر مِن ربِّهم(3)، بمعنى: ما يأتيهم رسول.
          ويحتمل أن يكون الذِّكر في الآية هو وعظ الرسول صلعم، وتحذيرُه إيَّاهم مِن معاصي الله ╡، فسمَّى وعظَه ذكرًا، وأضافَه إليه تعالى، إذ هو فاعل له ومُقْدِرٌ رسولَه على اكتسابِه.
          وقال بعض المتكلِّمين في هذه الآية: يحتمل أن يرجع الإحداث إلى الإتيان لا إلى الذِّكر القديم لأنَّ نزول القرآن على النَّبيِّ صلعم كان شيئًا بعد شيء، فكان يحدث نزولُه حينًا بعد حين، ألا ترى أنَّ العالم يعلم ما لا يعلمُه الجاهل، فإذا علمَه الجاهل حدث عنده العلم، ولم يكن إحداثُه عند المُعَلَّم(4) إحداث عين العلم.


[1] في المطبوع: ((في)).
[2] في المطبوع: ((بأنه)).
[3] قوله: ((أي ما يأتيهم ذكر من ربهم)) ليس في المطبوع.
[4] في المطبوع: ((المتعلم)).