شرح الجامع الصحيح لابن بطال

السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها

          ░13▒ بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَالاسْتِعَاذَةِ بِهَا
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ). [خ¦7393]
          وفيه: حُذَيْفَةُ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ، وَإِذَا أَصْبَحَ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). [خ¦7394]
          وفيه: ابنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَكمَا(1) وَلَدٌ في ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا). [خ¦7396]
          وفيه: عَدِيٌّ: (سَأَلْتُ النَّبيَّ صلعم فَقُلْتُ: أُرْسِلُ كِلابِي الْمُعَلَّمَةَ؟ فقَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كِلابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ، فَأَمْسَكْنَ فَكُلْ) الحديث. [خ¦7397]
          وفيه: عَائِشَةُ: (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ، لَا نَدْرِي أَيَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا أَمْ لا؟ قَالَ: اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللهِ، وَكُلُوا). [خ¦7398]
          وفيه: أَنَسٌ: (ضَحَّى النَّبيُّ صلعم بِكَبْشَيْنِ يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ). [خ¦7399]
          وفيه: جُنْدَبٌ (أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ يَوْمَ النَّحْرِ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ). [خ¦7400]
          وفيه: ابنُ عُمَرَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ). [خ¦7401]
          غرضُه في هذا الباب أن يثبت أنَّ الاسم هو المسمَّى في الله ╡ على ما ذهب إليه أهل السُّنَّة، وموضع الاستدلال مِنه قولُه صلعم: (بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ) وقولُه في حديث حذيفة: (بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ) ومعناه: بإقدارك إيَّاي على وضع جنبي وضعتُه، وبإقدارك إيَّاي على رفعِه أرفعُه، وبإحيائك أحيا وبإماتتك أموت، فحذف صلعم باسمك ربي وضعت جنبي، ثم قال: وبك أرفعُه، فذكر الاسم مرَّة، ولم يذكرْه أخرى، فدلَّ أنَّ معنى قوله: (بِاسْمِكَ) معنى قولِه: (بِكَ) إذ لو كان ذكرُه للاسم يفيد غيرَ ما يفيد ترك ذكرِه لتخالف المعنيان، ولوجب أن يكون اسمُه غيرَه وذلك محال لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى أن يكون قولُه صلعم: (بِاسْمِكَ وَضَعْتُ جَنْبِيِ) كقولِه: (بِغَيْرِكَ وَضَعْتُ جَنْبِيِ) وقولُه: (وَبِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ) بغيرك أحيا وأموت، وهذا كفر بالله تعالى، ويكون قولُه: (وَبِكَ أَرْفَعُهُ) وقولُه: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا(2)) يُرَاد به اللهُ فيكون بعض الدُّعاء لله وصرف الأمر فيه إليه، ويكون بعض الدُّعاء وصرف الأمر فيه إلى غير الله تعالى، وهذا كفر صريح لا يخفى، وممَّا يدلُّ على أنَّ اسم الله تعالى هو قولُه(3) سبحانَه: {فسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:74]أي سبِّح ربَّك العظيم ونزِّهْه بأسمائِه الحسنى، ولو كان اسمُه غيرَه لكان الله تعالى أمر نبيَّه صلعم بتنزيه معنى هو غير الله وهذا مستحيل، وممَّا يدلُّ على ذلك قولُه تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:78]في قراءة مَن قرأ {ذُو} وذو وصف الاسم لا شكَّ فيه فإذًا قد وصف الاسم بالجلال والإكرام، وهذا خلاف قول القدريَّة الَّتي تزعم كون كلامِه محدثًا وأنَّه تعالى لم يزل غير ذي اسم ولا صفة حتى خلق الخلق وخلق كلامَه فسمَّاه خلقُه بأسماء محدثة وسمَّى نفسَه بمثلِها، وهذا بيِّن الفساد بما قدَّمناه أنَّه تعالى لا يجوز أن يأمر نبيَّه بتنزيه غيرِه.
          فإن قال قائل: فإذا(4) قلتم: إنَّ اسم الله هو هو فما معنى قولِه صلعم: (إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا) وكيف تكون الذَّات الواحدة تسعة وتسعون شيئًا؟ ! قالوا: وهذا كفر ممَّن قال به، فبان مِن هذا الحديث أنَّ اسمَه غيرُه.
          فالجواب أنَّه لو كان اسمُه غيرَه لم يأمر نبيَّه بتنزيه مخلوق غيرِه على ما قدَّمناه، ونرجع إلى تأويل الحديث فنقول: إنَّ المراد بقولِه: ((تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا)) التَّسمية لأنَّه في نفسِه واحد والاسم يكون بمعنيين يكون بمعنى المسمَّى، ويكون بمعنى التَّسمية الَّتي هي كلامُه فالَّذي بمعنى المسمَّى يقال فيه: هو المسمَّى، والذي بمعنى التَّسمية لا يقال فيه: هو المسمَّى ولا هو غيرُه، وإنَّما لم يُقَلْ فيه هو المسمَّى لإستحالة كون ذاتِه تعالى كلامًا وسادَّة مسدَّه ولم يقل أيضًا: هو غيرُه لأنَّ تسميتَه ╡ لنفسِه كلام له ولا يقال في كلامِه أنَّه غيرُه.
          ومعنى التَّرجمة معنى قولِه تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180]، فأمر بدعائِه بها ووصفُه لها بالحسنى يقتضي نفي تضمُّن كلِّ اسم منها نقيض ما يوصف أنَّه حسن، ونقيض الحسن قبيح لا يجوز على الله تعالى، ومعنى هذا أنَّ عالمًا مِن أسمائه يقتضي علمًا ينفي نقيضَه مِن الجهل وقادرًا يقتضي قدرة تنفي نقيضَها مِن العجز، وحيًا يقتضي حياة تنفي ضدَّها مِن الموت، وكذلك سائر صفاتِه كلِّها، ففائدة كلِّ واحدة منها خلاف فائدة الأخرى، فأمر تعالى عبادَه بالدُّعاء بأسمائِه كلِّها لما يتضمَّن كلَّ اسم منها ويخصُّه مِن الفائدة ليجتمع للعباد الدَّاعين له بجميعِها فوائد عظيمة، ويكون معبودًا بكلِّ معنى.
          وقال ابن قتيبة: صنفة الثوب حاشيتُه الَّتي لا هدب فيها، ووقع في كتاب الدُّعاء: ((فَلْيَنْفِضْهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ)) يريد ما ولي جسمَه مِن إزارِه، وقد تقدَّم معنى ذلك في كتاب الدُّعاء.


[1] كذا في (ز) وفي المطبوع:((بينهما)).
[2] زاد في المطبوع: ((وإليه النشور)).
[3] في (ز): ((هو هو)) والمثبت من المطبوع. نسخ أخرى
[4] في المطبوع:((فإن)).