شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء}

          ░29▒ بَابُ قَولِهِ تَعَالَى: {إنَّما قَوْلُنَا لِشَيْءٍ}(1)[النحل:40]
          فيه: الْمُغِيرَةُ: (سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ. وَقَالَ مَرَّةً: لَا تَزَالُ مِنْ أمتي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ). وَقَالَ مُعَاوِيَة: هُمْ(2) بِالشَّامِ. [خ¦7459]
          وفيه: ابنُ عَبَّاسٍ: (وَقَفَ النَّبيُّ صلعم عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ). [خ¦7461]
          وفيه: ابنُ مَسْعُودٍ: (بَيْنَما أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبيِّ صلعم وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَرْنَا على نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فسَألُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَأَنَزل عليه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}(3)[الإسراء:85]). [خ¦7462]
          غرضًه في هذا الباب الرَّدُّ على المعتزلة في قولِهم: إنَّ أمر الله تعالى الَّذي هو كلامُه مخلوق، فأراد البخاري أن يعرِّفك أنَّ الأمر هو قولُه للشَّيء إذا أرادَه كن فيكون بأمرِه له وأنَّ أمرَه وقولَه في معنى واحد، وذلك غير مخلوق وأنَّه سبحانَه يقول كن على الحقيقة، وأنَّ الأمر غير الخلق لقولِه تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:54]، ففصل بينَهما بالواو، وهو قول جميع أهل السُّنَّة، وزعمت المعتزلة أنَّ وصفَه تعالى نفسه بالأمر وبالقول في هذه الآية مجاز واتِّساع على نحو ما تقول العرب: قال الحائط فمال وامتلأ الحوض وقال قطني، وقولهم فاسد لأنَّه عدول عن ظاهر الآية وحملِها على غير حقيقتِها، وإنَّما وجب حمل الآية على ظاهرِها وحقيقتِها لثبات كونِه تعالى حيًّا، والحيُّ لا يستحيل أن يكون متكلِّمًا.
          وقولُه صلعم: (حَتَى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ) يعني أمر الله بالسَّاعة.
          وقولُه: (لَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيْكَ) أي ما قد أمر به فيك(4) مِن الشَّقاء أو السَّعادة.
          وقولُه: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}[الإسراء:85]أي مِن أمرِه المتقدِّم بما سبق في علمِه مِن القضاء المحتوم الَّذي أمر به الملك أن يكتبَه في بطن أمِّه قبل نفخ الرُّوح فيه.


[1] في (ز): ((أمرنا)) بدل: ((قولنا)). قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (13/ 443): ((قال عياض كذا وقع لجميع الرواة عن الفربري من طريق أبي ذر والأصيلي والقابسي وغيرهم وكذا وقع في رواية النسفي وصواب التلاوة إنما قولنا وكأنه أراد أن يترجم بالآية الأخرى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر وسَبَقَ القلم إلى هذه. قلت وقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر إنما قولنا على وفق التلاوة وعليها شرح بن التين فإن لم يكن من إصلاح من تأخر عنه وإلا فالقول ما قاله القاضي عياض)).
[2] في المطبوع: ((وهم)).
[3] قوله: ((وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)) ليس في المطبوع وفيها مكانه: ((الآية)).
[4] في المطبوع: ((أي ما قدر فيك)).