شرح الجامع الصحيح لابن بطال

قول الله تعالى: {السلام المؤمن}

          ░5▒ بابُ قَوْلِه تعالى: {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ}[الحشر:23]
          فيه: عَبْدُاللهِ، قَالَ: (كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبيِّ صلعم، فَنَقُولُ: السَّلامُ على اللهِ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ(1) هُوَ السَّلامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ) الحديث. [خ¦7381]
          غرضُه في هذا الباب إثبات أسماءٍ(2) مِن أسمائِه تعالى(3)، فـ((السَّلام)) اسم مِن أسمائِه تعالى، ومعناه السَّالم مِن النَّقائص والآفات الدَّالَّة على حدث مَن وجدت به متضمِّن لمعنى السَّلامة مِن ذلك كلِّه، وقولُه تعالى: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ}[يونس:25]، مختلف في تأويلِه فقيل: معناه: والله يدعو إلى دار السَّلامة، يعني: الجنة، لأنَّه لا آفة فيها ولا كدر فالسَّلام على هذا والسَّلامة بمعنًى، كاللَّذاذ واللَّذاذة، والرَّضاع والرَّضاعة وقيل: السَّلام اسم لله تعالى قال قَتادة: الله السَّلام ودارُه الجنَّة.
          فأمَّا (المُؤْمِنُ) فهو على وجهين: أحدُهما: أن يكون صفة ذات، وهو أن يكون متضمنًا لكلام الله ╡ الَّذي هو تصديقُه لنفسِه في أخبارِه ولرسلِه في صحَّة دعواهم الرِّسالة عليه، وتصديقُه هو قولُه، وقولُه صفة مِن صفات ذاتِه لم يزل موجودًا به حقيقة في كونِه قائلًا متكلِّمًا مؤمنًا مصدقًا.
          والوجه الثَّاني: أن يكون متضمنًا صفة فعل هي أمانة رسلِه وأوليائِه المؤمنين به مِن عقابِه وأليم عذابه مِن قولك: آمنت فلانًا مِن كذا، وأمنتُه منه، كأكرمت وكرَّمت، وأنزلت ونزَّلت، ومنه قولُه تعالى: {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}[قريش:4].
          وأمَّا (المُهَيْمِنُ) فهو راجع إلى معنى الحفظ والرِّعاية، وذلك صفة فعل له تعالى، وأمَّا منعُه ╕ مِن القول السَّلام على الله. فقد بيَّن ╕ معنى ذلك بقولِه: (إنَّ اللهَ هُو السَّلَامُ) ويستحيل أن يقال السَّلام على الله، لاستحالة القول: الله على الله، و على قول مَن جعل السَّلام بمعنى السَّلامة يستحيل أيضًا أن يُدعَى(4) له ╡ بالسَّلامة.
          وقولُه: (قُولُوا: التَّحِيَّاتُ للهِ...) إلى آخر الحديث فهو صرف منه ╕ لهم عمَّا(5) يستحيل الكلام به إلى ما يحسُن ويجمُل لما في ذلك مِن الإقرار لله بملك كلِّ شيء، وشرع ما شرعَه لعبادِه مما أوجبَه عليهم مِن الصَّلوات المفروضة، وندبِه إليهم مِن النوافل والتَّقرُّب إليه بالدُّعاء والكلام الطَّيِّب الَّذي وصف تعالى أنَّه يصعد إليه بقولِه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}(6)[فاطر:10].
          والتَّحيَّة في كلام العرب الملك. قال الشَّاعر:
وَلِكُلِّ مَا نَالَ الفَتَى                     قدْ نِلْتُهُ إِلَّا التَّحِيةَ
          يعني: الملك، فمعنى قولِه: (التَّحِيَّاتُ للهِ) الملك لله.


[1] قوله: ((سبحانه)) ليس في المطبوع.
[2] في المطبوع: ((اسماً)) وهو خطأ في قراءة المخطوط.
[3] في المطبوع:((من أسماء الله)).
[4] في المطبوع:((يدعو)).
[5] في المطبوع:((بما)).
[6] قوله: ((والعمل الصالح يرفعه)) ليس في المطبوع.