شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله

          ░14▒ بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللهِ ╡، وَقَالَ خُبَيْبٌ: وَذَلِكَ في ذَاتِ الإلَهِ، فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (بَعَثَ النَّبيُّ صلعم عَشَرَةً، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأنْصَارِيُّ، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللهِ بنُ عِيَاضٍ، أَنَّ ابْنَةَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا، اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، قَالَ خُبَيْبٌ:
مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى                     أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ                     يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
          فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، وَأَخْبَرَ النَّبيُّ صلعم خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا). [خ¦7402]
          اعلم أنَّ أسماء الله تعالى على ثلاث أضرب: ضرب منها يرجع إلى ذاتِه ووجودِه فقط لا إلى معنى يزيد على ذلك كقولنا: شيء وموجود وذات نفس. والضَّرب الثَّاني يرجع إلى إثبات معان قائمة به تعالى هي صفات له كقولنا: حيُّ وقادر وعالم ومريد، يرجع ذلك كلُّه إلى حياة وقدرة وعلم وإرادة، لأجلِها كان حيًّا قادرًا عالمًا مريدًا. والضَّرب الثَّالث يرجع به(1) إلى صفات مِن صفات أفعالِه كقولنا: خالق ورزَّاق ومحيي ومميت، يرجع بذلك إلى خلق ورزق وحياة وموت، وذلك كلُّه فعل له تعالى.
          فأمَّا إثباتُه ذاتًا وسببًا(2) ونفسًا فطريقُه السَّمع، وقد سمع النَّبيُّ صلعم قول خُبَيْب (وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ) فلم ينكرْه، فصار طريق العلم به التَّوقيف مِن الرَّسول صلعم وذاتُه هي هو(3).
          ومعنى قولِه: (فِي ذَاتِ الإِلَهِ(4)) في دين الله وطاعتِه، فجميع هذه الأضرب الثَّلاثة أسماء لله في الحقيقة؛ كان منها ما يتضمَّن صفة ترجع إلى ذاتِه أو إلى فعل مِن أفعالِه أم لا، فكلُّ صفة اسم لله تعالى وليس كلُّ اسم صفة.
          ومذهب أهل السُّنَّة أنَّه محال أن يقال في صفات ذاتِه أنَّ كلَّ واحدة منها غير الأخرى، كما استحال القول عندهم بأنَّها غيرُه تعالى؛ لأنَّ حد الغيرين ما جاز وجود أحدِهما مع عدم للآخر(5)، ولما لم يجز على شيء مِن صفاتِه عدم إحداها مع وجود سائرِها استحال وصفُها بالتَّغاير كما استحال وصفُه بأنَّه غيرُها؛ لقيام الدَّليل على استحالة وجودِه تعالى مع عدم صفاتِه، الَّتي هي حياتُه وعلمُه وقدرتُه وسائر صفات ذاتِه وليس كذلك صفات افعالِه لأنَّ أفعالَه متغايرة يجوز وجود بعضِها مع عدم سائرِها كالرِّزق والإحياء والإماتة، وسائر صفات أفعالِه الَّتي تتضمَّنُها أسماء له أطلقَها تعالى على نفسِه كرازَّق وخالق ومحيي ومميت وبديع، وما شاكل ذلك، فهذه كلُّها أسماء له تعالى سمَّى نفسَه بها، وتسميتُه قولُه، وقولُه ليس غيرَه كسائر صفات ذاتِه، ومتضمَّن هذه الأسماء متغاير على ما ذكرنا وغير له تعالى لقيام الدَّليل على وجودِه في أزلِه مع عدم جميع أفعالِه.


[1] قوله: ((به))ليس في المطبوع.
[2] في المطبوع: ((شيئاً)).
[3] في المطبوع:((هو هي)).
[4] زاد في المطبوع: ((أي)).
[5] في المطبوع: ((الآخر)).