شرح الجامع الصحيح لابن بطال

قول النبي: «لا شخص أغير من الله»

          ░20▒ بَابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ)
          فيه: الْمُغِيرَةُ: (قَالَ سَعْد: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيَّ صلعم فَقَالَ: تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ ╡، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ). [خ¦7416]
          وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ: (لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ).
          اختلفت ألفاظ هذا الحديث فروى ابن مسعود عن النَّبيِّ صلعم: (لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ) ذكرَه في آخر كتاب النِّكاح، وفي رواية عُبيد الله ورواية ابن مسعود مبيِّنة أنَّ لفظ الشخص موضوع موضع (أَحَدَ) على أنَّه مِن باب المستثنى مِن غير جنسِه وصفتِه كقوله تعالى: {مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ}[النساء:157]، وليس الظنُّ مِن نوع العلم بوجه، وأجمعت الأمَّة على أنَّ الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنَّه شخص لأنَّ التَّوقيف لم يَرِد به، وقد منعت المجسِّمة مِن إطلاق الشَّخص عليه مع قولِهم إنَّه جسم، و(أَحَدَ) لفظ موضوع للاشتراك بين الله تعالى وبين خلقِه، وقد نصَّ الله على تسمية نفسِه فقال: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]، وقد تقدَّم في كتاب النِّكاح في باب الغيرة معنى الغيرة مِن الله أنَّها بمعنى الزَّجر عن الفواحش والتَّحريم لها، ومعنى الحديث أنَّ الأشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتُها غيرة الله تعالى وإن لم يكن شخصًا.
          وقولُه: (لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللهِ) فالمحبَّة مِن الله تعالى للمدحة إرادتُه مِن عبادِه طاعتَه وتنزيهَه والثَّناء عليه ليجازيهم على ذلك.
          وقولُه: (لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ) فمعناه ما ذكر في قولِه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى:25]، فالعذر في هذا الحديث: التَّوبة والإنابة.