شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى

          ░1▒ بابُ مَا جَاءَ في دُعَاءِ النَّبيِّ صلعم أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ ╡.
          فيه: ابنُ عَبَّاسٍ: (أنَّ النَّبيَّ صلعم بَعَثَ مُعَاذًا إلى الْيَمَنِ، فقَالَ: أَمَا إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيْدِ اللهَ، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فْرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً في أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ على فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ). [خ¦7371] [خ¦7372]
          وفيه: مُعَاذٌ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ على الْعِبَادِ؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ). [خ¦7373]
          وفيه: أَبُو سَعِيد: (أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد}[الإخلاص:1]ويُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبيِّ صلعم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ). [خ¦7374]
          وفيه: عَائِشَةُ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ: بِـ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} فَلَمَّا رَجَعُوا، ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ). [خ¦7375]
          قال المؤلِّف: أمر الله تعالى نبيَّه صلعم بدعاء العباد إلى دينِه وتوحيدِه ففعل ما لزمَه مِن ذلك، فبلَّغ ما أمرَه بتبليغِه وأنزل عليه: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ}[الذاريات:54]، ووجه ذكر(1) قل هو الله أحد في هذا الباب، لأنَّها سورة تشتمل على توحيد الله وصفاتِه الواجبة له وعلى نفي ما يستحيل عليه مِن أنَّه لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد وتضمنت ترجمة هذا الباب أنَّ الله ╡ واحد وأنَّه ليس بجسم لأنَّ الجسم ليس بشيء واحد بل هو أشياء كثيرة مؤلَّفة، ففي نفس التَّرجمة الرَّدُّ على الجهميَّة في قولها أنَّه تعالى جسم. والدَّليل على استحالة كونِه جسمًا أنَّ الجسم موضوع في اللغة للمؤلَّف المجتمِع، وذلك محال عليه تعالى لأنَّه لو كان كذلك لم ينفك مِن الأعراض المتعاقبة عليه الدَّالة بتعاقبِها عليه على حدثِها لفناء بعضِها عند مجيء أضدادِها، وما لم ينفك مِن المحدثات فمُحدَث مثلها، وقد قام الدَّليل على قِدَمِه تعالى، فبطل كونِه جسمًا(2).


[1] زاد في المطبوع: ((حديث)).
[2] نهاية السقط في (ص).