شرح الجامع الصحيح لابن بطال

قول الله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا}

          ░4▒ بابُ قَولِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}[الجن:26]وَقولِه(1):{إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان:34]وَقَوْلِهِ(2):{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}[النساء:166]وَقَوْلِهِ(3): {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}[فصلت:47]وَقَوْلِهِ(4):{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}[فصلت:47]. قَالَ يَحْيَى: الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شيء عِلْمًا، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شيء عِلْمًا.
          فيه: ابنُ عُمَرَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ: لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلا اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا في غَدٍ إِلَّا اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ(5) إِلَّا اللهُ، وَلَا تَدْرِي(6) نَفْسٌ بِأي أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا اللهُ). [خ¦7379]
          وفيه: عَائِشَةُ، قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلعم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:103]وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ(7)، وَهُوَ يَقُولُ: {لا يَعْلَمُ} {الْغَيْبَ إِلا اللهُ}[النمل:65]. [خ¦7380]
          غرضُه في هذا الباب إثبات علم الله ╡ صفة لذاتِه، إذ العلم حقيقة في كون العالم عالمًا، إذ مِن المحال كون العالم عالمًا ولا علم له، وكذلك سائر أوصافِه المقتضية للصِّفات الَّتي هي حقيقة في ثبات الأوصاف المجراة عليه تعالى مِن كونِه حيًّا وقادرًا وما شابَه ذلك خلافًا لما تقولُه القدريَّة مِن أنَّه عالم قادر حيٌّ بنفسِه لا بقدرة ولا بعلم ولا بحياة، ثم إذا ثبت كون علمِه قديمًا وجب تعلُّقُه بكلِّ معلوم على حقيقتِه، وقد نصَّ الباري تعالى على إثبات علمِه بقولِه تعالى: {إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان:34]، وبقولِه تعالى: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ}[النساء:166]، وبقولِه ╡: {وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}[فاطر:11]، وبقولِه تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}[فصلت:47]، فمَن دفع علم الباري تعالى الَّذي هو حقيقة في كونِه عالمًا، وزعم أنَّه عالم بنفسِه لا بعلم فقد رد نصَّه تعالى على إثبات العلم الَّذي هو حقيقة في كونِه عالمًا، ولا خلاف بين ردِّ نصِّه على أنَّه ذو علم وبين ردِّ نصِّه على أنَّه عالم، فالنَّافي لعلمِه كالنَّافي لكونِه عالمًا، واجتمعت الأمَّة على أنَّ مَن نفى كونَه عالمًا فهو كافر، فينبغي أن يكون مَن نفى كونَه ذا علم كافرًا، إذ مَن نفى أحد الأمرين كمَن نفى الآخر، والقول في العلم بهذا كافٍ مِن القول به في جميع صفاتِه، وتضمَّن هذا الباب الرَّدَّ على هشام بن الحكم ومَن قال بقولِه مِن أنَّ علمه تعالى مُحْدَثٌ وأنَّه لا يعلم الشَّيء قبل وجودِه. وقد نبَّه الله ╡ على خلاف هذا بقولِه تعالى: {إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان:34]الآية، وجميع الآيات الواردة بذلك، وأخبرنا النَّبيُّ صلعم بمثل ذلك في حديث ابن عُمر وعائشة فلا يُلتَفت إلى مَن ردَّ نصوص الكتاب(8) والسُّنَّة. /


[1] قوله: ((قوله))ليس في (ص).
[2] قوله: ((قوله)) ليس في (ص).
[3] قوله:((وقوله)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((وقوله)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((أحد)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((تعلم)).
[7] قوله: ((وَهُوَ يَقُولُ...الْغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ)) زيادة من (ص).
[8] سقط في (ص) من هذا الموضع إلى قوله: ((ذلك الخط ما وافق قراءته كيفما كان)) في بَاب قَوْله تعالى: {فَاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} بعد قرابة (خمس وثمانين صحيفة)، وقد ورد خلال هذه الصفحات أوراق جاءت نسخها الخطية في نهاية المخطوط، وقد تمت مقابلتها على (ص).