شرح الجامع الصحيح لابن بطال

قول الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي}

          ░30▒ بَابُ قَوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} إلى(1): {مَدَدًا}[الكهف:109]وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا في الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ}[لقمان:27]
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ في سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ في سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ). [خ¦7463]
          قال مجاهد: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} للقلم يُستمدُّ منه للكتاب {لِّكَلِمَاتِ رَبِّي}[الكهف:109]، أي لعلم ربي.
          وقال قَتادة: لنفد ماء البحر قبل أن ينفد كلام الله وحكمُه. ومعنى هذا الباب إثبات الكلام لله تعالى صفةً لذاتِه، وأنَّه لم يزل متكلِّمًا ولا يزال، كمعنى الباب الَّذي قبلَه، وإن كان قد وصف كلامَه تعالى بأنَّه كلمات فإنَّه شيء واحد لا يتجزَّأ ولا ينقسم(2)، وكذلك يعبَّر عنه بعبارات مختلفة: تارةً عربيَّةً، وتارةً سريانيَّةً، وبجميع الألسنة الَّتي أنزلَها تعالى على أنبيائِه وجعلَها عبارةً عن كلامِه القديم الَّذي لا يشبِه كلام المخلوقين، ولو كانت كلماتُه مخلوقة لنفدت كما تنفد البحار والأشجار وجميع المحدثات، فكما لا يحاط بوصفِه ╡، كذلك لا يحاط بكلماتِه وجميع صفاتِه.


[1] زاد في المطبوع: ((قوله)).
[2] في المطبوع: ((ولا يقسم)).