شرح الجامع الصحيح لابن بطال

قول الله تعالى: {وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق}

          ░8▒ بَابُ قَوْلِه تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ}[الأنعام:73]
          فيه: ابنُ عَبَّاسٍ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَمَا فِيهِنَّ، لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ، وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ غَيْرُكَ). وَقَالَ سُفْيَان مرة: أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ. [خ¦7385]
          قولُه تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ}[الأنعام:73](1) أي: أبدَعهما وأنشأهما بحق(2).
          وقولُه: (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) كقولِه: خالق السموات والأرض.
          وأمَّا قوله: (أَنْتَ الحَقُّ) فعلى معنيين: يكون اسمًا راجعًا إلى ذاتِه فقط لقولِه صلعم: أنت الحق. أي: أنت الموجود الثَّابت حقًّا الَّذي لا يصحُّ عليك تغيير ولا زوال.
          والمعنى الثاني: يكون الحقُّ راجعًا إلى صفة ذاتِه؛ لقولِه: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بِالحَقِّ} أي قال لها: كوني فكانت. وقولُه صفة مِن صفات ذاتِه عند أهل الحقِّ والسُّنَّة على ما سيأتي(3) بيانُه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
          وأمَّا قولُه: (أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) وقولُه ╡: {اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[النور:35]، فواجب صرفُه عن ظاهرِه لقيام الدَّليل على أنَّه لا يجوز أن يوصف بأنَّه نور، والمعنى: أنت منوِّر السَّموات والأرض بأن خلقتَهما دِلالة لعبادك على وجودك وربوبيَّتك بما فيهما مِن دلائل الحدث المفتقرة إلى محدِث فكأنَّه نوَّر السَّموات والأرض بالدِّلالة(4) عليه منهما وجعل في قلوب الخلائق نورًا يهتدون به إليه، وقال ابن عبَّاس: {اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[النور:35]، أي هاديهن، وعنه أيضًا مُدَبِّرُهما ومُدَبِّر ما فيهما وتقديرُه: الله نوّرَ السموات والأرض.
          وأمَّا (قَيِّمُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ) فالكلام فيه مِن وجهين: أحدُهما: أن يكون بمعنى العالم بمعلوماتِه، فتكون صفة ذات. والوجه الثَّاني: أن يكون بمعنى الحفظ لمخلوقاتِه، والرِّزق للحيِّ منها، فتكون صفة فعل.


[1] زاد في المطبوع: ((كقوله: خالق السموات والأرض بالحق)).
[2] في المطبوع:((بالحق)).
[3] في المطبوع:((على ما يأتي)).
[4] في المطبوع: ((بالدلائل)).