شرح الجامع الصحيح لابن بطال

قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني}

          ░17▒ بَابُ قَولِه تعالى: {وَلِتُصْنَعَ على عَيْنِي}[طه:39]يعني: تُغَذَّى، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القمر:14]
          فيه: ابنُ عُمَرَ: (ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم فَقَالَ: إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ، وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى). [خ¦7407]
          وفيه: أَنَسٌ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأعْوَرَ الْكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ). [خ¦7408]
          استدلالُه مِن هذه الآية والحديث على أنَّ لله تعالى صفة سمَّاها عينًا ليست هو ولا غيره، وليست كالجوارح المعقولة بيننا، لقيام الدَّليل على استحالة وصفِه بأنَّه ذو جوارح وأعضاء يتعالى عن ذلك(1) خلافًا لما تقولُه المجسِّمة مِن أنَّه تعالى جسمٌ لا كالأجسام، واستدلُّوا على ذلك بهذه الآيات كما استدلُّوا بالآيات المتضمِّنة لمعنى الوجه واليدين، ووصفه لنفسِه بالإتيان والمجيء والهرولة في حديث الرسول ╕، وذلك كلُّه باطل وكفر مِن مُتأوِّله، لقيام الدَّليل على تساوي الأجسام في دلائل الحدث القائمة بها واستحالة كونِه مِن جنس المحدثات، إذ المحدث إنَّما كان محدثًا مِن حيث هو متعلِّق بمحدث أحدثَه، وجعلَه بالوجود أولى منه بالعدم.
          فإن قالوا: الدَّليل على صحَّة ما نذهب إليه مِن أنَّه تعالى جسم قولُه صلعم: (إِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرٍ)، وِإشارتُه إلى عينه بيدِه، وأنَّ المسيح الدَّجَّال (أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى) ففي إشارتِه إلى عينِه بيمينِه تنبيه منه على أنَّ عينَه كسائر الأعين.
          قلنا: تقدَّم في دليلنا استحالة كونِه جسمًا لاستحالة كونه مُحدَثًا، وإذا صحَّ ذلك وجب صرف قولِه صلعم وإشارتُه إلى عينِه إلى معنى يليق به ╡ وهو نفي العور والنَّقائص منه(2)، وأنَّه ليس كمَن لا يرى ولا يبصر، بل هو منتف عنه جميع النَّقائص والآفات الَّتي هي أضداد السَّمع والبصر وسائر صفات ذاتِه الَّتي يستحيل وصفُه بأضدادِها إذ الموصوف بها تارة وأضدادها أخرى محدث مربوب، لدِلالة قيام الحوادث به على حدثِه(3).


[1] قوله: ((يتعالى عن ذلك)) ليس في المطبوع.
[2] في المطبوع:((النقائص والعور منه)).
[3] في المطبوع:((محدثه)).