عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب البيعة في الحرب أن لا يفروا
  
              

          ░110▒ (ص) بابُ الْبَيْعَةِ فِي الْحَرْبِ أَنْ لَا يَفِرُّوا.
          (ش) أَيْ: هذا باب في بيان البيعة في الحرب على أن لا يفرُّوا، وفي بعض النُّسَخ لفظة: <على> موجودة، وكلمة (أَنْ) مصدريَّة؛ تقديره: بأَنْ لا يفرُّوا؛ أَيْ: بعدم الفرار.
          (ص) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى المَوْتِ
          (ش) أَي: البيعة في الحرب على الموت، وقال بعضهم: كأنَّه أشار إلى أن لا تنافيَ بين الروايتين؛ لاحتمال أن يكون ذلك في مقامين.
          قُلْت: عدم التنافي بينهما ليس من هذا الوجه، بل المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفرُّوا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بدَّ.
          (ص) لِقَوْلِ اللهِ تعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح:18]
          (ش) هذا تعليل لِقَوْلِهِ: (وقال بعضهم: على الموت) وجه الاستدلال به أنَّ لفظ: {يُبَايِعُونَكَ} مطلقٌ يتناول البيعةَ على أن لا يفرُّوا وعلى الموت، ولكنَّ المراد البيعة على الموت؛ بدليل أنَّ سلمة ابن الأكوع _وهو ممَّن بايع تحت الشجرة_أخبر أنَّهُ بايع على الموت، وأراد بـ{المؤمنين} هم الَّذِينَ ذكرهم الْلَّه فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّما يُبَايِعُونَ اللهَ} الآية[الفتح:10]، وقيل: هذا عامٌّ في كلِّ من بايع رَسُول الله صلعم ، والشجرة كانت سَمُرةً، وقيل: سِدْرةً، ورُوِيَ أنَّها عميت عليهم مِنْ قَابِلٍ، فلم يدروا أين ذهبت؟ وكان هذا في غزوة الْحُدَيْبِيَة سنة ستٍّ في ذي القعدة بلا خلاف، وسُمِّيت هذه البيعة بيعة الرضوان.