عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب حرق الدور والنخيل
  
              

          ░154▒ (ص) باب حَرْقِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ.
          (ش) أَيْ: هذا بابٌ في بيانِ جواز إحراق دُور الْمُشْرِكِينَ ونَخِيلهم، قال بعضهم: كذا وقع في جميع النُّسَخ: / «حَرْقِ الدُّورِ» وضبطوه بفتح أوَّله وإسكان الراء، وفيه نظرٌ؛ لأنَّه لا يقال في المصدر: حَرْق، وإِنَّما يقال: تَحْريق وإِحْرَاق؛ لأنَّه رباعيٌّ، فلعلَّه كان بتشديد الراء بلفظ الفعل الماضي، وهو المطابق للفظ الْحَدِيث، والفاعل محذوفٌ؛ تقديره: النَّبِيُّ يَفعَلُه، أو بإذنه، وعلى هذا فقوله: «الدُّورَ» منصوب بالمفعوليَّة، و«النَّخِيلَ» كذلك نسَقًا عليه انتهى.
          قُلْت: دعواه بالنظَر في الضبط المذكور في جميع النُّسَخ فيها نظرٌ؛ لأنَّه لم يُبيِّن أنَّ الَّذِينَ ضبطوه هكذا هم النُّسَّاخ أو المشايِخ أصحاب هذا الفنِّ، فإن كانوا هم النُّسَّاخ فلا اعتبارَ لضبطهم، وإن كانوا المشايخ فهو صحيحٌ؛ لأنَّه يجوز أن يكون لفظ (حَرْق) بهذا الضبط اسمًا لـ(الإحراق)، فلا يكون مصدرًا حَتَّى لا يرِد ما ذكره؛ لأنَّ (الحَرْق) بالضبط المذكور مصدرُ حرقت الشيءَ حرقًا؛ إذا برَدْتَه وحَكَكتَ بعضَه ببعض، وأَمَّا الَّذِي يستعمل في النار فلا يقال إلَّا: (أحرقتُه) مِنَ الإحراق، أو: (حرَّقتُه) بالتشديد مِنَ التحريق، وقوله: (لأنَّه رباعيٌّ) غير مصطلح عِنْدَ الصرفيِّين؛ لأنَّه لا يقال: (رباعيٌّ) عندهم إلَّا لِما كان حروفه الأصليَّة على أربعة أحرف، وإِنَّما يقال لمثل هذا: (ثلاثيٌّ مزيد فيه)، وقوله: (فلعلَّه كان...) إلى آخره فيه تعسُّف وتكلُّف جدًّا؛ لأنَّ فيه إضمارًا قبل الذِّكر، ثُمَّ تقدير الفاعل، والفاعل لا يُحذَف.