عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}
  
              

          ░11▒ (ص) باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}[التوبة:52].
          (ش) أَيْ: هذا بابٌ فِي ذكر قول الله تعالى؛ لأنَّ فِيهِ معنى: «الحربُ سجالٌ» لأنَّ المراد مِن إحدى الحسنيين: إمَّا الشهادة، أو الظفر بالكفَّار، قاله ابن عَبَّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة وآخرون، وذَلِكَ أنَّا إذا قابلنا الكفَّارَ ووقع بيننا وبينهم حروبٌ، فإن غلبنا وظفرنا بهم تكون لنا الغنيمة والأجر، وإن كان عكسه تكون لنا الشهادة، وهذا بعينه كونُ الحربِ سجالًا.
          قوله: ({قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ}؟) أَيْ: قل يا مُحَمَّدُ: هل تنتظرون ({بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}) ؟ وهما: الظفر أو الشهادة.
          (ص) والحَرْبُ سِجَالٌ.
          (ش) مناسبته للآية ظاهرةٌ؛ لأنَّها تتضمَّن معناه كما ذكرناه.
          و(سِجَالٌ) بكسر السين؛ يعني: تارةً لنا وتارةً علينا، ففي غلبتنا يكون الفتح، وفي غلَبتهم تكون الشهادة، وهذا مطابقٌ لمعنى الآية، وكلُّ فتح يقع إلى يوم القيامة أو غنيمةٍ فَإِنَّهُ مِن إحدى الحسنيَين، وكلُّ قتيلٍ يُقتَل فِي سَبِيلِ اللهِ إلى يوم القيامة فهو مِن إحدى الحُسْنَيَين، وإِنَّما يبتلي الله الأنبياءَ ‰ لِيَعظم لهم الأجر والثواب ولمَن معهم، ولئلَّا تُخرَق العادة الجارية بين الخلق، ولو أراد الله خرقَها لأهلك الكفَّارَ كلَّهم بغير حَرْبٍ.
          و(السِّجال) جمع (سَجْل) في الأصل، وهو الدَّلْو إذا كان مَلآن ماءً، ولا تكون الفارغة سَجْلًا، و(سِجال) هنا مِنَ المُسَاجَلة؛ وهي المنازلة في الأمر، وهو أن يفعل كلٌّ مِنَ المتساجلينِ مثلَ صاحبه، فتارةً له، وتارةً لصاحبه.