عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ركوب البحر
  
              

          ░75▒ (ص) باب رُكُوبِ الْبَحْرِ.
          (ش) أَيْ: هذا بابٌ في بيانِ رُكوبِ البحر، ولكنَّه أطلق، وذِكْرُهُ في (أبواب الجهاد) يشير إلى تخصيصه بالغزو للرِّجال والنساء، فإذا جاز ركوبه للجهاد فللحجِّ أجْوَزُ، وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ والشَّافِعِيِّ في الأظهر، وكره مالكٌ للمرأة الحجَّ في البحر؛ لأنَّها لا تكاد تستتر مِنَ الرِّجَال، ومنهم مَن مَنَع ركوب البحر مطلقًا؛ لأنَّ عمر ☺ كان يمنع الناسَ مِن ركوب البحر فلم يركبه أحدٌ طول حياته، ولا حُجَّة في ذلك؛ لأنَّ السُّنَّة أباحته للرِّجال والنساء في الجهاد، وهو حديث الباب وغيره، وأخرج أبو عُبَيْدَة في «غريب الْحَدِيث» مِن حديث عِمْرَان الجَوْنِيِّ: عن زُهَيْر بن عَبْد الله يرفعه: «مَن ركب البحر إذا ارتجَّ فقد بَرِئت مِنه الذِّمَّة»، وفي رِوَايَة: «فلا يلومَنَّ إلَّا نفسه» وزُهَيْر مختلف في صحبته، وقد أخرج البُخَاريُّ حديثه في «تاريخه» فقال في روايته: عن زُهَيْرٍ عن رجلٍ مِنَ الصَّحَابَة، وإسناده حَسَنٌ، وفيه تقييد المنع بالارتجاج، ومَفهومه الجواز عِنْدَ عَدَمه، وهو المشهور مِن أقوال العلماء، فإذا غلبتِ السلامة فالبرُّ والبحر سواءٌ، قال الْلَّه تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[يُونُس:22]، وقال أبو عُبَيْدَة: وأكبر ظنِّي أنَّهُ قال: التَّجَّ؛ باللَّامِ، فدلَّ على أنَّ ركوبه مباحٌ في غير هذا الوقت في كلِّ شيءٍ في التجارة وغيرها.