عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ ومعاملتهم
  
              

          ░176▒ بابٌ: هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ وَمُعَامَلَتِهِمْ.
          (ش) أقول: هكذا وقع هذان البابان، وليس بينهما شيءٌ في جميعِ النُّسَخ مِنْ طَرِيق الفِرَبْرِيِّ، إلَّا أنَّ في رِوَايَة أبي عليِّ بن شَبُّوْيَه عن الفِرَبْرِيِّ وقع (باب جوائز الوفد) / بعد (باب هل يستشفع؟) وكذا وقع عِنْدَ الإِسْمَاعِيليِّ، وهذا أصوب؛ لأنَّ حديث الباب مطابقٌ لترجمة جوائز الوفد؛ لِقَوْلِهِ فيه: «وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ»، بخلاف الترجمة الأخرى، وكأنَّ البُخَاريَّ وضع هاتين الترجمتين وأخلى بينهما بياضًا ليجدَ حديثًا يناسبها، فلم يتَّفق ذلك، ثُمَّ إنَّ النساخ بَطلوا البياض وقرنوا بينهما، وليس في رِوَايَة النَّسَفِيِّ: (باب جوائز الوفد) بل الَّذِي وقع عنده (باب هل يستشفع إلى أهل الذمة؟) وأورد فيه حديث ابن عَبَّاسٍ، وفي طلبِ المطابقة بينهما تعسُّف، ولقد تكلَّف بعضهم في توجيه المطابقة، فقال: ولعلَّه مِن جهة أنَّ الإخراج؛ يعني: فِي قَوْلِهِ صلعم : أخرجوا الْمُشْرِكِينَ مِن جزيرة العرب، يقتضي رفع الاستشفاع، والحضُّ على إجازة الوفد يقتضي حسن المعاملة، أو لعل (إلى) في الترجمة بمعنى اللام؛ أَيْ: هل يَستشفع لهم عِنْدَ الإمام؟، وهل يعاملون...؟ انتهى.
          قُلْت: قوله: (يقتضي رفع الاستشفاع) والعمل بالاقتضاء يكون عِنْدَ الضرورة، ولا ضرورة ههنا، والإخراج معناه معلومٌ، وليس فيه معنى الاقتضاء.
          والوفد أعمُّ مِن أن يكون مِنَ الْمُسْلِمِينَ أو مِنَ الْمُشْرِكِينَ، والمواضع التي تذكر فيها أنَّ (إلى) بمعنى اللام إِنَّما معنى (إلى) فيها على أصلها بمعنى الانتهاء، فافهم، وههنا لا يتأتَّي هذا المعنى، ثُمَّ التقدير في (باب جوائز الوفد) أَيْ: هذا بابٌ في بيانِ جوائز الوفد، و(الجوائز) جمع (جائزة) وهي العطيَّة، يقال: أجازه يجيزه إذا أعطاه، و(الوفد) هم القوم يجتمعون ويردون البلاد، واحدهم (وافد)، وكذلك الَّذِينَ يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك، تقول: وَفَدَ يَفِدُ فهو وافد، وأوفدتُه فَوَفَدوا، وأوفد على الشيء فهو مُوفَد إذا أشرف، والتقدير في (باب هل يُسْتشفع) أَيْ: هذا بابٌ يُذكَر فيه هل يُسْتشفع؟
          قوله: (وَمُعَامَلَتِهِمْ) بالجرِّ عطفًا على المضاف إليها لفظ (الباب).